استهلاك النرجيلة ارتفع 10% خلال شهر… اللبنانيون يائسون

لطالما كانت العلاقة عكسية بين أسعار السلع والخدمات وحجم الإستهلاك. فحين ترتفع الأسعار بشكل عام يميل حجم الاستهلاك إلى الانخفاض، وذلك لأن المستهلك يواجه صعوبة في شراء كمية السلع والخدمات نفسها بالسعر نفسه. ولكن واقع الحال في لبنان ينقض النظرية الاقتصادية، ويُثبت ارتفاعاً ملحوظاً في حجم استهلاك التبغ والتنباك على الرغم من ارتفاع أسعارها ورغم تراجع القدرة الشرائية للمستهلك عموماً.

ومنذ اتساع نطاق الحرب الإسرائيلية على لبنان بدءاً من 17 أيلول الفائت وشمول العمليات العسكرية العنيفة كامل مناطق الجنوب والبقاع وبيروت، سجّل حجم استهلاك اللبنانيين للنرجيلة والسجائر ارتفاعاً ملحوظاً على الرغم من أن الأسعار شهدت ارتفاعاً أيضاً بفعل تصاعد أسعار المواد الأولية وارتفاع تكلفة التأمينات وغيرها من العوامل. وتؤكد الأرقام بوضوح لجوء اللبنانيين إلى مزيد من استهلاك النرجيلة والسجائر خلال الحرب، ومرد ذلك بحسب خبراء الصحة النفسية “حالة اليأس” التي تخيّم على الجو العام في البلد، وتضاؤل آمال اللبنانيين بقدرتهم على الحفاظ على سلامتهم الجسدية.

ارتفاع معدلات الإستهلاك
بحسب أرقام مديرية حصر التبغ والتبناك (الريجي) بلغ حجم الإستهلاك العام لمعسل النرجيلة بين 17 ايلول و20 تشرين الأول 2024 أي بعد مرور نحو شهر على اتساع الحرب 61126 صندوقاً (الصندوق يوازي 50 كروزاً) مرتفعاً من نحو 55600 صندوق في الشهر الذي سبق المدة الزمنية المذكورة اي قبل توسع الحرب. بمعنى آخر بلغ حجم الزيادة في استهلاك المعسّل 5526 صندوقاً أي نحو 10 في المئة. ويوضح رئيس مصلحة البيع في الريجي حسين سبيتي في حديث إلى “المدن” أن حجم المبيعات كافة أنواع التبع والتنباك ارتفعت منذ بداية الحرب بشكل كبير جداً، عازياً السبب إلى محاولة الناس اللجوء إلى وسائل ترفيه تنسيهم حجم الضغوط الهائلة والقلق والخوف من الحرب وتداعياتها.

ولم يتم احتساب حجم مبيعات المعسّل المهرّب إذ ترتفع نسبة مبيعاته بما يفوق حجم المعسّل الإداري. ورغم غياب أي أرقام رسمية عن حجم مبيع المعسّل المهرّب، يؤكد أحد التجار في منطقة البسطا في بيروت بأن حجم مبيعات المعسّل المهرّب تضاعف نحو 3 مرات خلال الأشهر القليلة الماضية خصوصاً مع بدء الحرب، ويشير التاجر إلى أنه يوزّع على مناطق عديدة في بيروت وقد ارتفع الطلب أضعاف ما كان عليه.

أما مبيع السجائر الوطنية وتحديداً السيدرز Cedars فقد زادت نسبة مبيعاتها بشكل كبير، وبحسب المعلومات تضخ الريجي كميات كبيرة في السوق لتغطية الطلب المتزايد على شراء السجائر لاسيما أن الشركات الأجنبية المنتجة للسجائر تقنّن مبيعاتها في المرحلة الحالية أي خلال الأشهر الأخيرة من العام.

تلاعب بالأسعار
وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار الرسمية لمبيعات التبغ والتنباك إلا أن ارتفاعات إضافية طالتها بشكل عشوائي في المحلات ومراكز البيع. وفي حين تسلّم الريجي صندوق سجائر Cedars بـ350 دولاراً لمراكز البيع المعتمدة وتفرض على الأخيرة بيعه بـ355 دولاراً أي بمعدل 7.1 للكروز و65000 ليرة لعلبة الدخان الواحدة، إلا أنه في الواقع يُباع صندوق الدخان في بعض مراكز البيع والمحال بنحو 418 دولاراً للصندوق أي 75000 ليرة للعلبة الواحدة.

وكما السيدرز كذلك باقي أنواع السجائر تُباع بأسعار متفاوتة في المحلات والمراكز وتختلف بين محل وآخر في الشارع عينه وسط فوضى عارمة في عملية التسعير وغياب تام لضبط الأسعار.

وكانت أسعار السجائر قد شهدت ارتفاعات متتالية منذ بداية الأزمة وتلتها الحرب التي دفعت بدورها بالأسعار لمزيد من الإرتفاع بسبب تصاعد تكلفة المواد الأولية كأوراق التبغ والفلاتر المستوردة وبعض أنواع التبغ المستورد أيضاً والمنكّهات وتكلفة الشحن وأسعار المواد الخام وتكلفة التغليف ومواد التغليف وغيرها.

اللبنانيون يائسون
مع ارتفاع نسبة تدخين السجائر والنرجيلة يرى الأخصائي النفسي شادي رحمة أن هناك أسباباً عديدة تدفع بالأشخاص إلى الإقبال على التدخين والنرجيلة في ظل الظروف المأساوية الحالية، أولها اليأس وفقدان الأمل بالحياة.

ولا يحصر رحمة في حديثه إلى “المدن” الأسباب بعامل واحد إنما هناك أسباباً أخرى منها أن خوف الإنسان وقلقه يدفعه إلى تنظيم عملية تنفّسه بحثاً عن الأمان من هنا يطلب الاختصاصيون النفسيون عادة من الأشخاص أن يمارسوا عملية تنظيم التنفّس فهي عملية صحيّة ومهمة جداً، إلا أن مخاطر هذه العملية لدى المدخنين أنهم يقومون بتنظيم تنفّسهم وتفريغ غضبهم عبر النرجيلة والسجائر.

واقع اللبنانيين يعكس ممارسة سليمة لكن بالأدوات المضرّة، على ما يقول رحمة، ومع مرور الوقت تتحوّل من عملية نفسية إلى عملية جسدية، يشجّعها الأمل بالنَفَس ولكن بطريقة مؤذية. من هنا نشهد تزايداً ملحوظاً بارتفاع نسب المدخّنين ومستخدمي النرجيلة على الرغم من تأزم أوضاعهم المادية وقلقهم المتزايد من الحرب.

ويُلاحظ هنا في حالات عديدة لجوء العائلات ومنهم النازحين إلى النرجيلة على الرغم من عجزهم عن تأمين غذائهم، ويضع البعض النرجيلة في سلّم الأولويات إلى جانب الخبز والمياه، وقد لا يُلام هؤلاء فالعامل النفسي يلعب الدور الأبز في سلوب البشر. وبحسب رحمة فإن المواطن اليوم قادر على التمييز بين الصواب والخطأ لكنه عاجز عن الالتزام بالصواب لأن الخلل عندما يصيب الذكاء العاطفي يجعل الانسان عاجزاً عن توصيف أحاسيس اليأس والغضب والحزن والقلق ويعجز بالتالي عن إدراك صحة مشاعره.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةعبود :حجوزات المغادرة عبر المطار تراجعت كثيرا
المقالة القادمةاجتماعات “الخريف”: هموم اقتصاديّة عالميّة ولبنان خارج التغطية