اقتراح خفض الدعم إلى 50 صنفاً من الأدوية و60 في المئة من البنزين

عُقد اجتماع أمس في السراي الحكومي لبحث مسألة «ترشيد الدعم». اجتماع تأخر لأشهر، لم يتطرق إلى حلول لضمان الحفاظ على قدرة السكان الشرائية، التي انهارت أصلاً، بل هو مجرد تبادل أفكار لـ«تركيب طرابيش» يطيل أمد المبلغ المتبقي من الاحتياطي، حتى يرحّل الانفجار الشعبي الى الحكومة الجديدة

عادت الاحتجاجات الى الشارع، ليس اعتراضاً على فرض ضريبة بقيمة 6 دولارات شهرياً على خدمة «واتساب»، بل لأسباب جوهرية تتعلق بتأمين لقمة الخبز والسلع الأساسية لضمان أقل متطلبات العيش. حصل ذلك في ظل انعقاد اجتماع وزاري في السراي الحكومي برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لمتابعة ملف الدعم، بحضور وزراء الدفاع والمالية والاقتصاد والصناعة والزراعة والطاقة والشؤون الاجتماعية، الى جانب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

المجتمعون عرضوا خطط وزاراتهم لتنظيم كلفة الاستيراد والدعم، على أن تستكمل الاجتماعات اليوم في إطار ورش عمل تفصيلية يرأسها كل وزير مع القطاعات المعنية في نطاق عمل وزارته. ما جرى كان يفترض أن يحصل أقله منذ بداية العام وفي ظل حكومة فاعلة لا حكومة تصريف أعمال تنتظر تأليف حكومة جديدة لتحمل مسؤولية هذا القرار. فالواقع أن الوزراء المعنيين استقالوا من مهامهم قبل دخول مجلس الوزراء في فترة تصريف الأعمال، ولم يقم أكثرهم بأقل الواجبات المترتبة عليه، فيما يسارعون اليوم الى استنباط أفكار عشوائية بعد حديث سلامة عن إمكان الإبقاء على الدعم لفترة شهرين فقط.

ثمة خيارات بديلة بالطبع، كاتفاقيات مع دول لتأمين السلع بأسعار منخفضة، ويأتي العرض العراقي لمدّ لبنان بالنفط في هذا الإطار، لكن السلطة السياسية التي جلست تنتظر الانهيار، تتصرف وكأن خيارها الأوحد هو رفع الدعم بشكل كامل. وفي ظل أزمة لبنان الاقتصادية والمالية والنقدية، سيتسبب إجراء مماثل بانفجار اجتماعي غير مسبوق، خصوصاً بعد تدني الحد الأدنى للأجور في غضون أشهر من 450 دولاراً شهرياً، الى أقل من 83 دولاراً، وهو مرشح للانهيار أكثر.

أحد لم يلتفت الى أحوال العمال والأسر، خصوصاً بعد الأزمة المضاعفة التي أتت بها جائحة كورونا من جراء فرض حجر كامل لأسابيع. وذلك إن دلّ على شيء، فعلى عمق الانهيار المتغلغل في مؤسسات الدولة وغياب السياسات الاقتصادية – الاجتماعية، وعلى إلقاء مصير شعب كامل بيد شخص واحد هو حاكم المصرف المركزي. وقد قرر الأخير قطع الدعم عن المواد الأساسية كالأدوية والقمح والمازوت والبنزين والكهرباء، وما على الفقراء الا أن يموتوا جوعاً وعطشاً وبرداً ومرضاً، بذريعة الدفاع عمّا تبقى من دولارات المودعين، علماً بأن سلامة نفسه أكد قبل أيام، في مقابلة مع قناة «العربية الحدث»، أن المودعين لن يحصلوا على ودائعهم بالدولار.

من هذا المنطلق جرى الحديث خلال اجتماع أمس في السراي عن تخفيض ساعات التغذية بالكهرباء على قلتها، بدلاً من رفع دعم الكهرباء عمن يستهلكون عدداً كبيراً من الأمبيرات لتغذية قصورهم ومنازلهم الفارهة على حساب أموال الشعب اللبناني. وهؤلاء غالبيتهم من رجال الأعمال والوزراء والنواب والمسؤولين الذين يجلسون اليوم حول الطاولة لمناقشة «ترشيد الدعم».

وجرى البحث في اقتراح لحصر الدعم بأقل من 50 صنفاً من الأدوية (الأمراض المزمنة والمستعصية)، على أن يخفض الدعم على أدوية من 1515 ليرة للدولار إلى 3900 ليرة للدولار (الدواء الذي كان سعره نحو 15 ألف ليرة، سيصبح سعره 39 ألف ليرة). أما باقي الأدوية، فستترك لسعر الدولار في السوق السوداء!
وبالنسبة إلى المحروقات، يجري البحث في اقتراح خفض الدعم على البنزين إلى حدود 60 في المئة، ما يؤدي إلى زيادة سعر الصفيحة إلى نحو 40 ألف ليرة، مع الإبقاء على دعم المازوت كما هو اليوم.
كذلك تم التطرق الى تخفيض كمية الطحين المدعوم لتقتصر فقط على ربطة الخبز، ما يعني أن وزارة الاقتصاد والمسؤولين فيها عن هذا الملف بالذات، كانوا على علم بهدر الطحين المدعوم على منتجات غير ضرورية ولا تحقق سوى أرباح مضاعفة لأصحاب الأفران، لكنهم غضّوا النظر عن ذلك الى أن اقترب الاحتياطي من النفاد.

في هذا السياق، أوضح المدير العام للحبوب في وزارة الاقتصاد جرجس برباري، في اتصال مع الوكالة الوطنية للإعلام، أن «ما يجري التداول به عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن رفع الدعم عن الطحين غير صحيح»، مشيراً الى أنه لم يصدر قرار من وزارة الاقتصاد حتى اللحظة في هذا الموضوع. وأشار برباري الى التركيز على «الطحين الذي يصنع منه الخبز العربي، لأنه أساسي في غذاء المستهلك اللبناني (…) معلناً أن وزير الاقتصاد سيدعم كمية 27 ألف طن من الطحين المخصص للخبز العربي ستناقش آلياته في اجتماع في الوزارة».

لكن من سيضمن استعمال هذه الكمية لصناعة الخبز؟ وأي آلية يمكنها ضمان عدم تحرك كارتيل المطاحن والأفران مرة أخرى لقطع الرغيف من السوق وادعاء نفاد الكمية المدعومة؟ الأهم أن هذا القرار متخذ من وزير الاقتصاد راوول نعمة الذي عجز عن ضبط أسعار السلع الغذائية المدعومة، وخضع قبلها لجشع هذا الكارتيل في زيادة سعر ربطة الخبز وتخفيض وزنها رغم الدعم؟ بناءً على ما سبق، بات واضحاً أن المسعى الأساسي لحكومة تصريف الأعمال يكمن في ترشيد الدعم بقدر الإمكان حتى لا تستنفد المبلغ المتبقي من الاحتياطي، أي نحو 800 مليون دولار، بانتظار أن تأتي حكومة جديدة لتتحمل هذه المسؤولية.

الاخبار

المادة السابقة«مجموعة السبع» تساند الحاجة لتنظيم العملات الرقمية
المقالة القادمةالذهب عند ذروة أسبوعين