أصبح الحديث عن أزمة الكهرباء سخيفاً، أو حتى مُخجلا، وأظنّ أن لبنان سيصبح في القريب، البلد الوحيد في العالم الذي لا يملك “الكهرباء”. فضيحة أو جريمة أو تواطؤ، كله لا يهم، فالنتيجة واحدة والفاعلون كثر، ومع مرور كل عام تنكشف قصص الهدر في مؤسسة “كسرت” ظهر الاقتصاد اللبناني، وأفقرت خزينته، ولا زالت.
22 شباط 2016، 5 آذار 2016، 12 آذار 2016، 30 كانون الثاني 2018، هذه كلها تواريخ لمقالات تطرقت فيها “النشرة” لفساد وفشل مشروع شركات مقدّمي الخدمات في وزارة الطاقة، ولكن مع كل الأسف دون جدوى، لا بل تم الإدّعاء علينا عندما تحدّثنا عن مشاريع مشبوهة في وزارة الطاقة، ورغم ذلك نستمرّ بالعمل.
في شهر شباط من العام 2011، كان يعمل في مشروع قراءة العدّادات وجباية الفواتير 34 شخصا، كلّفوا الدولة يومها 81 مليون ليرة لبنانيّة، أيّ حوالي 54 ألف دولار أميركي. وقتذاك كان عدد الفواتير المصدّرة 48 ألف فاتورة، وقيمة الإصدار 3 مليارات 657 مليون و980 ألف ليرة لبنانية. في ذلك الشهر حصّل هؤلاء 97.6 بالمئة من الفواتير، ونسبة القيمة وصلت الى 97.7 بالمئة.
في شباط من العام 2018، كانت شركات مقدّمي الخدمات في كهرباء لبنان هي المسؤولة عن قراءة العدّادات والجباية، وفي هذا الشهر كلّفت الشركات الدولة مبلغ 127 ألف دولار أميركي، وبعدد فواتير مصّدرة هو 54 ألف فاتورة، وقيمة إصدار 3 مليارات و902 مليون و492 الف ليرة لبنانية، وبلغت نسبة الجباية 94 بالمئة، ونسبة القيمة المحصّلة 93.7 بالمئة.
الملاحظ بين الفترتين، ارتفاع الكلفة على الدولة بنسبة كبيرة، وبالمقابل انخفاض نسبة الجباية، وهو الأمر الذي أرادت مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة محاربته، ولذلك تعاقدوا مع شركات مقدّمي الخدمات.
بعد التعاقد مع الشركات في العام 2012 بمشروع لأربع سنوات، تقوم خلاله الشركات بأمرين أساسيين، الأول تحسين الجباية والخدمات الكهربائية، والثاني تخفيف الهدر ومنع السرقة عبر تركيب العدّادات الذكية. لأجل هذه الشركات حاربوا المياومين وجباة الإكراء، وأصابوا استقرار مؤسسة الكهرباء بمقتل عبر الإضرابات، فكانت النتيجة، انتهاء مهلة السنوات الأربع، دون تحقيق أيّ هدف، لا بل أكثر من ذلك، انتقلنا من السيّء الى الأسوأ. ولكن رغم ذلك تمّ تمديد عقد الشركات عبر المحاصصة.
اليوم الواقع انتقل من السيء الى الأكثر سوءا. نعيش في العام 2020، وتصل الى منازلنا بعض فواتير العام 2018. أمس دفعت فاتورة عن شهري تموز وآب من العام 2018، فاتورة تعود للمستأجرين الذين كانوا قبلي، والذين باتوا في مكان بعيد لا يريدون دفع الفواتير. نعم هذه أزمة حقيقية يعيشها مالكو المباني، فالمستأجر كالزائر، وبعد خروجه، يتحمل المالك مسؤولية هذه الفواتير.
يقولون أن السبب هو الإضراب، ولكن الى متى سيبقى لكل مصيبة ما يبرّرها. نحن كمواطنين لا نريد أن نسمع التبريرات، نريدهم أن يعترفوا بالخطأ، بعيدا عن تبادل الاتهامات، وإخبارنا عن الحلول، عمّا هو ممكن وما هو مستحيل.
منذ أسبوعين، قطعت دائرة الشيّاح الطاقة عن منزلنا المستأجر، ليتبيّن أنّ ما يُعرف بالفواتير النائمة قد استيقظت. فواتير نيسان وآب من العام 2016، وتشرين الأول وكانون الأول من عام 2017، غير مدفوعة، ولذلك قطعوا التيّار الكهربائي، رغم أنّنا لم نكن قد استأجرنا المنزل آنذاك، ولم يكن قد وصلنا أيّ إنذار مسبق عن هذه الفواتير. ذهبنا لنسدد ما يتوجب، وفي حرم المؤسسة سمعت الموظفين يتحدثون عن “فورة” عمليات قطع التيار، الشركات تحركت في هذا الظرف لأنّ الخزينة بحاجة الى المال، ولكن الغريب كان أنّ العقوبات تطال أصحاب المتوجّبات الصغيرة. نعم سمعته بأذني، وهو يقلّب المحاضر بين يديه: “المكسور عليهم ملايين ما حدا بيقرّب صوبهم”.
من لا يرى هذا الواقع، يكون بسبب أمرين، إمّا العمى، وإمّا توجيه النظر الى مكان آخر، ربما الى المساحة الخضراء في محيط مبنى وزارة الطاقة، هذه المساحة التي كلّفت الخزينة اللبنانية عام 2013، مبلغ 65 مليون ليرة لصيانتها فقط!.