الأزمة الاقتصادية والفقر ينعشان المهن الجوالة في لبنان

أقبل عدد من اللبنانيين في عدد من المحافظات الجنوبية على ممارسة تجارة التجوّل، حيث تزايد زخم المهن الجوالة التي تشمل بيع المنتجات الغذائية والخضر والتحف، في ظل أزمة اقتصادية خانقة دفعت المواطنين إلى البحث عن أعمال صغيرة فرضتها قلة الموارد والبطالة.

انتعشت بشكل لافت المهن الجوالة في الكثير من المدن والقرى الريفية في جنوب لبنان، وغدت فرصة لتأمين لقمة العيش لشريحة واسعة من العاطلين عن العمل في ظل البطالة الخانقة الناتجة عن تردي الوضع الاقتصادي وتفشي فايروس كورونا.

وتنتشر في الشوارع مشاهد للعشرات من التجار يبحثون عن رزقهم، والكثير منهم استعان بمكبرات الصوت للتدليل على وجودهم والإعلان عن خدماتهم المتعددة، إضافة لما يسوقونه من بضائع في سياراتهم أو على دراجاتهم النارية، ومنها الفاكهة والخضار والملابس والأحذية وألعاب الأطفال والحلوى وغيرها.

ونسبت “شينخوا” للشاب الثلاثيني أحمد ناصر قوله، بينما كان يطوف بسيارة صغيرة بيضاء اللون في أزقة بلدة دير ميماس (جنوب شرق)، إنه “يعمل منذ عدة أشهر في تصليح معدات التدفئة المنزلية مع انطلاق فصل الخريف.”

وأضاف “شهادتي الجامعية في اختصاص التسويق التي حصلت عليها منذ 5 سنوات لم ترأف بحالي، لذا تحولت إلى هذه المهنة بعدما أقفلت في وجهي أبواب العمل”.

والأمر نفسه تكرر مع علاء حميدان الذي وجد في سيارته وسيلة لكسب قوت يومه. ويستخدم حميدان مكبر صوت ثبّته في مقدمة سيارته للترويج لبضاعته من خضار وفاكهة وسط باحة بلدة الفرديس جنوب شرق لبنان.

وقال حميدان “لقد ضاقت بي سبل العيش، فاخترت هذه المهنة بعدما فشلت في الحصول على وظيفة تناسب شهادتي الجامعية في العلوم الاجتماعية”.

ويقصد حميدان، الذي كانت علامات الإرهاق بادية على وجهه، عند الرابعة فجرا سوق الجملة لبيع الخضار والفاكهة ليتسوق ما أمكن منها حسب ميزانيته البسيطة، لينطلق بعدها في رحلة البحث عن الزبائن وسط العشرات من القرى متحديا حرارة الشمس صيفا وشدة البرد شتاء.

وأضاف “أكسب من هذه المهنة يوميا ما يوازي 5 إلى 7 دولارات أميركية وهو مبلغ مقبول في ظل تردي الوضع الاقتصادي والمضاربة بين الباعة المتجولين الذين تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم”.

أما الشاب حسان أبوعلي، الذي اتخذ من الطرف الشرقي لساحة بلدة مرجعيون، نقطة مؤقتة لبيع الألبسة المستعملة فقال، فيقول إن الكثير من الشباب لجأوا إلى مهنة البقال الجوال لمحاربة الجوع.

وبدوره، أوضح جميل خليل بينما كان ينتظر زبونا في ساحة مدينة النبطية لنقله عبر دراجته الصغيرة من نوع “توك توك”، أنه بعدما أقفلت بوجهه كل السبل للوصول إلى وظيفة لجأ إلى هذه الدراجة التي تحميه وعائلته من العوز بغلة يومية تتأرجح بين 4 و6 دولارات.

وأضاف أن “التوك توك وفر لي فرصة عمل، وأمّن جانبا من احتياجات عائلتي المؤلفة من 4 أفراد، فأنا أتقاضى مبلغ 2000 ليرة لبنانية عن كل توصيلة لمسافة لا تتجاوز كيلومترين على أن يتضاعف المبلغ في حال زادت المسافة”.

وفي بلدة كوكبا كان الشاب الثلاثيني حامد الغريب خريج كلية إدارة الأعمال منذ ثلاث سنوات، يتجول بحثا عن غسالة أو موقد غاز أو براد معطل ليعيد تصليحه.

وقال الغريب “أتممت 30 عاما من عمري ولم أتمكن من تأمين مستقبلي بوظيفة وبت مضطرا إلى العمل في هذه المهنة أو غيرها من أجل توفير لقمة العيش”. وأشار الغريب إلى أن المهن الجوالة مضنية وصعبة للغاية، لكنها تبقى خيارا في ظل ما وصلت إليه أوضاع البلد من إفلاس وإقفال للمؤسسات وبطالة.

وبدوره يأمل الشاب جمال قانصو، الذي يزاول مهنة إصلاح الدراجات الهوائية، في أن تكون المهن الجوالة فرصة عمل مؤقتة في ظل الظروف الصعبة الحالية.

وتشير تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في آخر تقاريرها إلى أن نسبة الفقراء من السكان في لبنان وصلت إلى 55 في المئة في العام 2020 مقارنة بـ28 في المئة العام الماضي.

ووفقا للإسكوا، فإن نسبة من يعانون من فقر مدقع سترتفع من 8 إلى 23 في المئة، أي أن إجمالي الفقراء قد يبلغ 1.1 مليون نسمة حسب خط الفقر الأدنى و2.7 مليون نسمة حسب خط الفقر الأعلى.

واستنادا إلى تقرير الإسكوا، يتوقع أن يزيد عدد من يعيشون في فقر مدقع بـ750 ألف شخص، في ظل غياب للخطط السكنية والمخاوف المستمرة حول الخدمات الطبية ومستقبل الضمان الاجتماعي وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والحياتية الداعمة.

 

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةمصافي النفط العالمية أمام أزمة كبرى وأرامكو أكبر الخاسرين
المقالة القادمةليرة لبنان تنخفض ووزير المالية يؤكد تأمين معاشات المتقاعدين