أثقل استمرار الأزمة المالية التي تعصف بلبنان منذ 2019 كاهل اللبنانيين وعلى وجه الخصوص موظفو القطاع العام الذين باتوا عاجزين عن تسيير عمل المؤسسات العامة بانتظام، ما أصابها بالشلل.
وكانت لهذه الأزمة تداعياتها على مختلف القطاعات حيث تفاقم تدهور الأوضاع المعيشية للناس وشهد التضخم ارتفاعا قياسيا وسط الانهيار المستمر في قيمة الليرة.
وبفعل ذلك زادت معدلات الفقر والبطالة والهجرة وغياب الحماية الاجتماعية وتسبب الوضع بركود عميق وارتفاع غير مسبوق في أسعار الوقود.
ويبدو القطاع العام وموظفوه أكثر المتضررين بعد تآكل رواتبهم بفعل الانهيار الدراماتيكي في قيمة العملة المحلية بعدما بلغ سعر صرف الدول 30 ألف ليرة.
ولم يعد بمقدور الموظفين تحمل دفع تكاليف النقل بعد أن بات الحدّ الأدنى للأجور، البالغ 675 ألف ليرة والذي كان يوازي 450 دولارا عندما كان سعر صرف الدولار يوازي 1500 ليرة قبل الأزمة، لا يكفي لشراء صفيحة واحدة من البنزين.
وفي الشهر الماضي بلغ سعر غالون البنزين سعة عشرين لترا 677 ألف ليرة، بينما وصلت كلفة السلة الغذائية في الأسبوع الأول من يونيو إلى 1.9 مليون ليرة.
ودفع تدهور أوضاع القطاع العام رابطة موظفي الإدارة العامة للدعوة إلى إضراب مفتوح منذ الثالث عشر من يونيو الجاري للضغط على الحكومة لتحسين ظروفهم.
وشل هذا الإضراب العديد من الإدارات ومؤسسات القطاع العام بمختلف الوزارات كالطاقة والصحة والمالية والاتصالات والزراعة والاقتصاد.
وتشير التقديرات إلى أن متوسط رواتب موظفي الإدارة العامة مليونا ليرة، ما يوازي حاليا 71 دولارا أميركيا، حيث تتراوح بين 990 ألفا وستة ملايين ليرة.
ونسبت وكالة الأنباء الألمانية إلى عضو الهيئة الإدارية للرابطة إبراهيم نحال قوله إن “الموظفين يطالبون بتصحيح رواتبهم ورواتب المتقاعدين ليتمكنوا من العيش حياة كريمة ولائقة بالحد الأدنى”.
وتشمل المطالب الحصول على عشرة لترات من البنزين عن كل يوم عمل فعلي ليتمكن كل موظف من الوصول إلى عمله، بالإضافة إلى تأمين الأموال اللازمة للصناديق الضامنة ليتمكن الموظف من الحصول على الطبابة والاستشفاء.
ويطالبون كذلك برفع قيمة التقديمات الاجتماعية وإعادة احتسابها بشكل يتناسب مع نسبة الضريبة التي يدفعها الموظفون، وخفض عدد ساعات العمل. كما يريدون من السلطات دعم قطاع التعليم والمستشفيات الحكومية.
ولدى الأوساط الاقتصادية قناعة بأن القطاع العام في حالة انهيار تام فالمؤسسات تفتقد إلى أبسط الأساسيات في غياب الكهرباء والوقود وحتى المواد القرطاسية.
وأكد نحال أنه في غضون عام تآكلت مداخيل الموظفين، وكباقي المواطنين انهارت القدرة الشرائية لرواتبهم بحدود 97 في المئة.
وتؤكد المعطيات أنه لم تعد لديهم إمكانية الاستمرار في هذه المرحلة للوصول إلى عملهم حيث لا تزال رواتب هؤلاء تحتسب على سعر صرف الدولار 1500 ليرة.
وقال نحال “بعد سلسلة الرتب والرواتب التي حصلنا عليها في 2017 كنا نعيش في الحد الأدنى من الحياة الكريمة وبعد الانهيار المالي والاقتصادي الذي حصل شهدنا كباقي المواطنين أزمات البنزين والأدوية والموت على أبواب المستشفيات”.
وأضاف “منذ سنة تقريبا أعلنا الإضراب وكنا نؤمّن يوم عمل خلال كل أسبوع أو خلال أسبوعين لخدمة المواطنين، واليوم لم نعد نستطيع الاستمرار”.
واعتبر أنه “لا دولة عادلة دون قطاع عام متمكن ولا قطاعا عاما متمكنا دون موظف قادر على الاستمرار والوصول إلى عمله”.
ومنذ خمسة أشهر عندما تم إقرار المساعدة الاجتماعية للموظفين وهي تعادل 1.5 مليون ليرة، ربطتها الحكومة بشرط الحضور إلى مراكز العمل ثلاثة أيام في الأسبوع، ولكن هذا الشرط لم يكن قابلا للتنفيذ.
ورأى نحال أن الحكومة “مفلسة بإيجاد الحلول. وربما لا تريد أن تجد الحلول لأنها تريد انهيار القطاع العام “. وقال إن “الدولة قادرة على تلبية مطالب الموظفين وهي ليست مفلسة بل أموالها منهوبة ومهربة إلى الخارج”.
ولئن كان الإضراب يعتبر وسيلة من وسائل الضغط المشروعة لتحسين ظروف الموظفين، فإن خطوة موظفي الإدارة العامة كان لها أثر سلبي على الاقتصاد المحلي الذي يعاني أصلا من انكماش بسبب الأزمة.
وقال موظف متعاقد في الجامعة اللبنانية، فضل عدم ذكر اسمه، لوكالة الأنباء الألمانية “كان معاشنا قبل الأزمة يوازي أكثر من ألف دولار، أما اليوم فإنه فقد قيمته”.
وأوضح أنه بالنسبة إلى المتعاقدين فإن مشاكلهم مضاعفة حيث لا يتقاضون معاشاتهم في نهاية كل شهر، بل يحصل تأخير في تحويلها، حيث تم خلال يوليو الحالي تحويل معاشات شهر ديسمبر الماضي.
وكانت مؤسسات القطاع العام قد طلبت من المدربين المتعاقدين تأمين دوام عمل ليومين في الأسبوع، أما موظفو القطاع الخاص فطُلب منهم تأمين دوام لثلاثة أيام في الأسبوع.
ولكن معاشات الموظفين لا تكفي لشراء البنزين اللازم لتأمين الدوام المطلوب والوصول إلى العمل ولا لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة. وبالرغم من ذلك يقوم الموظفون في الجامعة اللبنانية بتأمين الدوام المطلوب لتأمين سير العمل.
وأوضح الموظف اللبناني أن “بعض الموظفين يقومون بأعمال أخرى إلى جانب وظائفهم ليستطيعوا الاستمرار”.
ورغم انعدام ثقة اللبنانيين في السلطات لعدم قدرتها على إيجاد حلول وبناء استقرار في الاقتصاد المشلول والوصول إلى التعافي المالي، فإنهم يأملون في استعادة قدرتهم الشرائية في أسرع وقت.