الأزمة تنقل “الموت” من أبواب المستشفيات إلى عتمة البيوتات

تُوقف المستشفيات والمؤسسات الصحية والمختبرات ومراكز العلاج تباعاً استقبال المضمونين على نفقة الجهات الضامنة الرسمية والخاصة؛ وإن استقبلتهم، فبشرط تسديد المضمون ثلثي قيمة الفاتورة بحسب سعر صرف السوق، في الكثير من الحالات. إذ إنه “من المستحيل شراء الأدوية واللوازم الطبية واللوجستية والغذائية على سعر 13 ألف ليرة، وبيعها للجهات الضامنة على سعر 1507.5 ليرات”، بحسب أوساط المستشفيات. و”الإتفاق على أسعار جديدة لأكلاف الأعمال الطبية بين مقدمي الخدمات الإستشفائية وشركات الضمان، وتحديداً الرسمية منها، ينتظر انتهاء العام الحالي لابرام عقد جديد بأسعار جديدة. الأمر الذي يفوق قدرة مقدمي الخدمات على الإنتظار لغاية نهاية العام. خصوصاً في ظل التطورات المتسارعة في سعر الصرف ورفع الدعم”.

“تشكل نسبة المضمونين صحياً على حساب الجهات الضامنة الرسمية، أي: وزارة الصحة، الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، تعاونية موظفي الدولة والطبابة العسكرية، 80 في المئة من مجمل عدد السكان في لبنان، فيما تستحوذ شركات التأمين وصناديق التعاضد على النسبة الباقية المقدرة بـ20 في المئة. إلا أن المشكلة الأكبر تتمثل في عجز هذه الجهات على رفع تسعيرتها بما يتلاءم مع المتطلبات المستجدة للمستشفيات والمختبرات التي ارتفعت بين 5 و6 أضعاف للكثير من الخدمات”، بحسب رئيس “اتحاد صناديق التعاضد الصحية” غسان ضو، فـ”مخصصات وزارة الصحة محكومة بسقف معين لا يمكن تخطيه في ظل عجز الموازنة. والضمان الإجتماعي الذي يدفع للمستشفيات سنوياً 1300 مليار ليرة من اشتراكات أرباب العمل، من المستحيل عليه أن يضاعف الإشتراكات أو حتى أن يرفعها بنسبة 50 في المئة إلى 2000 مليار ليرة، في ظل الكساد وإقفال المؤسسات، فكيف الحال برفعها 6 أضعاف. وصناديق التعاضد التي تدفع 240 مليار ليرة سنوياً للمستشفيات، يستفيد منها 340 ألف مواطن بمتوسط إشتراك 3 ملايين ليرة أو 2000 دولار للعائلة الواحدة، لا تستطيع تحصيل إشتراكات أعضائها على أسعار صرف الدولار الجديد سواء كان على سعر السوق أو حتى سعر المنصة، لتعزيز القدرة المالية. بخاصة أن الأغلبية الساحقة من المشتركين يقبضون رواتبهم بالعملة الوطنية ولا يستطيعون تحمل هذا الإرتفاع الهائل بأسعار الصرف. والأمر نفسه ينطبق على شركات التأمين، التي عُلم أن عدداً منها سيقفل بشكل نهائي قريباً”. من هنا يرى ضو أن “أياً من الجهات الضامنة ليس بمقدورها زيادة أسعارها بنسبة 50 في المئة، فيما المطلوب رفعها اليوم بين 5 و6 أضعاف للمحافظة على نفس التغطية التي كانت سائدة قبل الأزمة”.

أمام هذا الواقع يظهر أن كل الأطراف المعنية بموضوع الإستشفاء وصلت إلى الحائط المسدود. فلا المواطن يستطيع رفع اشتراكاته، ولا شركات الضمان تقدرعلى زيادة تقديماتها، ولا المستشفيات تملك القدرة على العمل بخسارة. ما بدأ عـ”البارد” سيتطور قريباً جداً إلى “ساخن”، مع اشتداد الأزمة نتيجة حتمية رفع الدعم عن الدواء وكامل المستلزمات الطبية وارتفاع سعر الدولار. وحتى المؤَمّنين صحياً مع الشركات الخاصة سيواجهون المشكلة نفسها، لأن الأغلبية تسدد البوالص بشيكات مصرفية على سعر 3900 ليرة. الأمر الذي يجعلنا أمام “كارثة وطنية”، يقول ضو، “فلا سقوف لارتفاع سعر الدولار، والتعرفة التي قد يتفق عليها اليوم، قد تصبح غير ملائمة في الغد”. لذا لا يمكن اعتماد حل ثابت ونهائي للتسعيرة في ظل ظروف متقلبة. أما اللجوء إلى السقوف المتحركة، أي رفع تسعيرة المستشفيات على الجهات الضامنة بشكل مواز مع ارتفاع الدولار فهو أمر تعجيزي. وعدا عن المبالغ الهائلة المطلوب تأمينها من المواطنين، فان الإشتراكات تتحدد بشكل سنوي، فيما ارتفاع الدولار يومي.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةأبو شقرا عن أزمة المحروقات: لن يتبدّل الحال قبل تشكيل حكومة
المقالة القادمةدائرة الإفلاس تتوسّع: تعليق مناقصات الفيول!