تراجع استيراد ألواح الطاقة الشمسية عام 2023 بنسبة 80% بالمقارنة مع عام 2022. ولم تتجاوز قيمة ما تمّ استيراده هذه السنة 100 مليون دولار، أي ما يقارب 20 ألف طن من الألواح، مقارنة بأكثر من 83 ألف طن عام 2022، بقيمة تناهز نصف مليار دولار. وانسحب التراجع على التجهيزات المرافقة كالبطاريات. ففي مقابل استيراد 106 آلاف طن من البطاريات بقيمة 305 ملايين دولار عام 2022، استورد لبنان هذا العام حوالى 15 ألف طن بقيمة 61 مليون دولار.عدد من أصحاب الشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية يعزون التراجع الكبير في الاستيراد إلى أن «الفقير من دون طاقة شمسية، والميسور ركّب». ومع الانخفاض الحادّ في الطلب على تركيب أنظمة توليد الطاقة الشمسية في المنازل، «بقي كبار التجار، فيما غادر الطارئون على المصلحة».
كذلك يعيد تاجر الأدوات الكهربائية مازن بعلبكي الانخفاض في الاستيراد إلى «الجشع والفوضى». فخلال عام 2022، «أُغرق السوق بألواح الطاقة والتجهيزات المرافقة لها، بعدما دخل سوق الأدوات الكهربائية كل من هبّ ودبّ من الطامحين بالربح السريع، وخُيّل لهم أنّ هذا القطاع دجاجة تبيض ذهباً». في المحصّلة، فاضت البضاعة عن حاجة السوق، و«أصبح السعر في لبنان أرخص من السعر على أرض المصنع في الصين». ففي العام الماضي، وصل سعر الواط الواحد (تُسعّر الألواح الشمسية وفقاً لقدرتها على إنتاج الكهرباء التي تقاس بالواط) إلى 47 سنتاً. أما اليوم، فانخفض السعر بنسبة 70%، ويراوح بين 14 و23 سنتاً. كما أن «عدداً كبيراً من الطارئين على تجارة أجهزة الطاقة الشمسية ممن غادروا السوق بعدما أعادوا تكوين رؤوس أموالهم، باعوا فائض البضاعة الموجودة لديهم بأسعار متهاودة لإعادة تسييل أموالهم، ما انعكس انخفاضاً كبيراً في الأسعار». أما عودة الأسعار إلى الارتفاع أخيراً بسبب العدوان الصهيوني على غزة وما رافقه من عرقلة لخطوط الشحن عبر البحر الأحمر، فيؤكد بعلبكي أنها «فورة مؤقتة، لأن الطلب في لبنان قليل مقارنةً بالمعروض».
من جهة أخرى، ورغم أنّ الألواح المستوردة في عامي 2022 و2023 قادرة على إنتاج أكثر من 2500 ميغاواط من الطاقة، إلا أنّ فعاليتها وتأثيرها اقتصرا فقط على المستفيدين منها مباشرة، أي من يملك سعرها بالعملة الأجنبية ومساحةً مناسبةً على سطح منزله. فيما لم يكن لها أي تأثير على حال كهرباء الشبكة العامة. فبقيت الطاقة الشمسية حلاً فردياً، ولم تأخذ شكل الحل الجماعي. ولم يتجاوز عدد البلديات التي ربطت شبكات الكهرباء الخاصة بمولّداتها بمحطات توليد الكهرباء الشمسية في المنازل عدد أصابع اليد الواحدة. لذلك، يصف مهندس الكهرباء أحمد ياسين طاقة الألواح المستوردة بـ«المهدورة، إذ لا يمكن الاستفادة منها أبعد من حاجة المنزل الواحد حيث رُكبت»، مشيراً إلى أن في قطاع الطاقة الشمسية «فوضى لبنانية أخرى على كلّ المستويات».
ولا يستبشر ياسين خيراً بقانون الطاقة المتجددة الموزّعة الذي أقرّه مجلس النواب أخيراً. فـ«بسبب نوعية الأجهزة المركّبة في البيوت لن يتمكّن أحد من بيع فائض الكهرباء المنتجة منزلياً للدولة». وفي حال الرغبة بذلك، «عليهم تغيير عواكس الكهرباء (إنفرتر) في البيوت، وتقديم طلبات لدى مؤسسة كهرباء لبنان لتركيب عدّادات كهرباء ذكية».
في المقابل، اتجهت المصانع والمحالّ التجارية الكبيرة وبعض المدارس إلى مزيد من الاعتماد على الطاقة الشمسية عام 2023 بسبب ارتفاع نسبة فواتير الكهرباء، خصوصاً أن طبيعة عمل هذه المؤسسات نهارية، ما يساعدها في الاعتماد على الطاقة الشمسية ويخفّف من اعتمادها على تيار الكهرباء الرسمي غير المأمون والمولّدات ذات الفواتير المرتفعة.
الأثمان البيئية
بدأت الأثمان البيئية لانفجار استهلاك أجهزة الطاقة الشمسية بالظهور. فقد سجّلت أرقام تصدير خردة الرصاص ارتفاعاً من 1000 طن عام 2022 إلى أكثر من 1500 طن هذا العام. للتخلص من البطاريات التالفة، وهي الأجزاء الأكثر سمّية في محطات الطاقة الشمسية، يقوم المستهلك ببيعها على شكل خردة، وبحسب الوزن، إلى ورش إعادة التدوير. غير أن هذه الأخيرة لا تتخلّص منها بالطرق المناسبة. فالمشاهدات الحيّة لسوق خردة البطاريات يؤكّد أنّ الأسيد الموجود فيها يتم رميه في المجاري العادية التي تصل إلى مياه البحر مع ما تحمله من معادن ثقيلة كالرصاص، وهنا يمكن الاستشراف بأنّه في الآتي من الأيام سيتم رمي آلاف الليترات من هذه المواد بهذه الطريقة، كون كلّ نظام شغّال حالياً يحتوي على عدّة بطاريات ستنتهي صلاحيتها بعد عدة سنوات ويجب استبدالها.