الأسواق تلتقط أنفاسها بقرار قضائي وتترقب مستقبلاً يكتنفه الغموض

أحدث الحكم الصادر عن محكمة تجارية أميركية بوقف تنفيذ الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس دونالد ترمب ارتياحاً مؤقتاً في الأسواق امس الخميس، غير أن «المخاطر السياسية» و«الجمود الاقتصادي» استمرا في إلقاء ظلالهما على المستثمرين القلقين بشأن الآفاق طويلة الأجل.

وتعافى معظم أسواق الأسهم من الخسائر التي تكبّدها بعد إعلان ترمب عن الرسوم في ما عُرف بـ«يوم التحرير» قبل نحو شهرين، الذي شهد حالة من التخبّط بين تطبيق الرسوم وتأجيلها مرات عدة، إلى أن قضت المحكمة بوقف تنفيذها، في خطوة لاقت ترحيباً محدوداً من الأسواق، ولم تُبدّد المخاوف تماماً، وفق «رويترز».

وقد سارعت إدارة ترمب إلى استئناف الحكم، لكنّه منح دفعة معنوية مؤقتة للأصول ذات المخاطر العالية، فضلاً عن الدولار الأميركي، الذي كان من أبرز المتضررين من فوضى الرسوم الجمركية.

وفي هذا السياق، قال ديفيد تشاو، كبير استراتيجيي السوق لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة «إنفيسكو» لخدمات الاستثمار: «ما يقلقني هو أن تبدأ الشركات تأجيل قرارات محورية، مثل التوظيف والإنفاق الرأسمالي وحتى زيادات الأجور؛ مما قد يؤثر سلباً على أرباحها والاستهلاك المحلي على حد سواء».

وكان ترمب قد أعلن بعد تراجع الأسواق في أعقاب فرض الرسوم يوم 2 أبريل (نيسان) الماضي، تعليق معظمها لمدة 90 يوماً، مع التعهّد بالتوصل إلى اتفاقات ثنائية مع شركاء واشنطن التجاريين. لكن، باستثناء اتفاق مبدئي مع بريطانيا هذا الشهر، لم تُحرَز أي اختراقات تُذكر، ويرى تشاو أن قرار المحكمة قد يدفع بدول مثل اليابان إلى التريث في إبرام اتفاقات جديدة.

من جهتها، ترى شارو تشانانا، كبيرة استراتيجيي الاستثمار في «ساكسو بنك» بسنغافورة، أن الحكم يُشكل عاملاً إيجابياً طفيفاً على المدى القصير؛ «لأنه يُخفّف من السيناريوهات الأكبر تشاؤماً بشأن النمو، إلا إن احتمال استئناف ترمب القرار أو فرض رسوم أكثر تحديداً على قطاعات بعينها، يعني أن الغموض لا يزال قائماً».

وقالت تشانانا: «لا تزال الشركات تفتقر إلى اليقين بشأن السياسات، ولا يزال مسار الإجراءات غير متوقّع».

وقد شهدت الأسواق العالمية تقلبات حادّة بفعل مواقف ترمب المتغيرة إزاء التعريفات. فمنذ إعلانها، ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 3.8 في المائة، والأسهم الأوروبية بنسبة 2.2 في المائة، بينما بقيت المؤشرات الصينية شبه مستقرة.

أما الذهب، فقد تراجع قليلاً عن مستوياته القياسية، لكنه ما زال مرتفعاً بأكثر من 4 في المائة منذ بداية الأزمة، في حين انخفض مؤشر الدولار الأميركي بنحو 4 في المائة. وارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنحو 30 نقطة أساس لتبلغ نحو 4.5 في المائة.

وأدّى نبأ حكم المحكمة إلى موجة صعود واسعة في مؤشرات الأسهم الآسيوية، بقيادة مؤشر «كوسبي» في كوريا الجنوبية، و«نيكاي» الياباني، حيث سجّل كلاهما مكاسب تجاوزت 7 في المائة منذ «يوم التحرير»، في ظل هروب المستثمرين من الأصول الدولارية.

وفي هذا السياق، قال شون كالو، كبير المحللين في شركة «آي تي سي ماركتس» متعددة الأنشطة، في سيدني: «الاهتمام ينصبّ حالياً على قدرة القضاء الأميركي على كبح القرارات الاقتصادية المُكلفة التي قد يتخذها البيت الأبيض، وهو ما يُعزّز آفاق النمو والدولار الأميركي على المدى القريب».

من جانبه، رأى راي شارما أونغ، رئيس استراتيجيات الاستثمار المتعدد في «أبردين» بجنوب شرقي آسيا، أن «البيئة الحالية تتّسم بتقلب السياسات وردود الفعل المتباينة من الأسواق»، مضيفاً أن «المستثمرين باتوا يركّزون على استراتيجيات قصيرة الأجل، مع الاعتماد على محفّزات محددة مرتبطة بالسياسة الأميركية».

واختتم كي أوكامورا، مدير المحافظ في مجموعة «نيوبرغر بيرمان» لإدارة الاستثمارات بطوكيو، بالقول: «هذا النوع من التقلّبات لا يخدم الشركات التي تُخطّط لقرارات طويلة الأمد تمتد سنواتٍ أو حتى عقوداً. أما بالنسبة إلى البنوك المركزية، فهو يُعزز ميلها إلى الترقب والتردد».

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةبعد الحكم القضائي… ما البدائل القانونية المتاحة لترمب لمواصلة فرض الرسوم؟
المقالة القادمةالدولار يرتفع بعد عقبة قضائية أمام رسوم ترمب