«الأعمال الأميركية ـ الأفريقية» تناقش في مراكش «بناء المستقبل معاً»

قال ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي إن أفريقيا تحتاج اليوم «شركاء فاعلين حقيقيين، يرافقون ولا يملون؛ شركاء يبنون على المدى الطويل ولا يقتصرون على استغلال الفرص قصيرة الأجل»، مشيراً إلى أنه آن الأوان كي تجني أفريقيا ثمار مؤهلاتها وإمكاناتها العديدة، وشبابها النابض بالحيوية، وتنهض بدورها المحوري الطبيعي على الساحة الدولية وفي التطورات الكبرى الجارية على الصعيد العالمي».

وشدد بوريطة، الذي كان يتحدث أمس في جلسة افتتاح الدورة الرابعة عشرة لقمة الأعمال الأميركية – الأفريقية التي تنظم، على مدى ثلاثة أيام، في مدينة مراكش المغربية، بمبادرة من «مجلس الشركات المعني بأفريقيا» تحت شعار «لنبنِ المستقبل سوياً»، على القول إنه إذا كانت الثروات والمؤهلات التي تزخر بها دول أفريقيا الأربعة والخمسون نعمة تصنع غنى القارة وتفردها، فإنها أيضاً مسؤولية على عاتق دولها وحكوماتها، وتحدٍّ لروح الإبداع والمقاولة لدى فاعليها الاقتصاديين، من أجل تحقيق المسار المفضي إلى النمو الشامل والتنمية المستدامة».
وأشار بوريطة إلى أن انعقاد هذه القمة الذي يتزامن مع فترة أمل في انقشاع جائحة «كوفيد»، يصادف أيضاً مرحلة يشهد فيها الاقتصاد العالمي اضطرابات عميقة، طالت سلاسل الإنتاج والاستثمار والمبادلات، وأنتجت تضخماً وضغوطاً اقتصادية مثيرة للقلق، وهو ما يحتم «التمسك بالتعاون والشراكة سبيلاً وحيداً لضمان الأمن وانسيابية التجارة والحفاظ على ثقة المستثمرين».

وفي هذا السياق المليء بالتحديات، والذي يشهد إعادة تشكيل معالم الاقتصاد العالمي، يضيف بوريطة: «يبرز دور القارة الأفريقية باعتبارها خزان نمو بالنسبة للاقتصاد العالمي وحليفاً قوياً لشركائها الدوليين». ورأى أنه إذا كان الأمن الغذائي في صميم المشاغل العالمية فإن أفريقيا تمتلك 23.5 في المائة من الأراضي الزراعية في العالم، وهو ما يؤهلها لتكون من بين أهم الفاعلين في الأمن الغذائي، وإذا كان المستقبل هو للطاقات المتجددة فإن القارة الأفريقية لديها إمكانات شمسية تبلغ 10 تيراواط، و350 غيغاواط من الطاقة الكهرومائية، و11 غيغاواط من طاقة الرياح، و15 غيغاواط من مصادر الطاقة الحرارية الأرضية؛ وإذا كان الرأسمال البشري هو الثروة الرئيسية للاقتصادات فإن أفريقيا هي أكثر قارات العالم شباباً، بحيث تكمن أكبر ثرواتها في سكانها الذين ستصل حصتهم من البالغين سن العمل إلى 42.5 في المائة بحلول 2100.

وزاد بوريطة قائلاً إنه بفضل ما تزخر به أفريقيا من رأسمال بشري وموارد طبيعية، واعتباراً لسوقها المستقبلية المهيكلة والمترابطة في إطار منطقة التجارة الحرة القارية، ولتجمعاتها الاقتصادية ونموها الاقتصادي البالغ معدله 6 في المائة، فإنها تمتلك مؤهلات تجعلها قادرة على مواجهة الأزمات ويمكنها من تعزيز سيادتها في القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى كالصحة والأمن الغذائي والطاقة والبنيات التحتية بما يضمن تحقيق نمو شامل وتنمية عادلة ومنصفة. ورأى بوريطة أن هذه المقاربة تستوجب أن يضطلع الفاعلون الاقتصاديون الخواص بدورهم في تحريك عجلة الاقتصاد. وأضاف مخاطباً المشاركين: «لم يسبق أن كنا في حاجة أمس مما نحن اليوم إلى العمل سوياً، من أجل بناء اقتصاد أفريقي يتطلع إلى المستقبل، يستمد قوته من اندماجه في منظومة التجارة العالمية وسلاسل القيمة الدولية؛ اقتصاد سليم ومتين، يعطي الأولوية للتصنيع وخلق التنمية، بما يكفل لقارتنا موقعاً لائقاً بها على الخريطة الاقتصادية الدولية»؛ وهو شيء لن يتنسى، بحسب المسؤول المغربي، إلا بشرطين، أولهما «قيام الدول الأفريقية بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية لخلق مناخ أعمال مناسب وقيام القطاع الخاص بدوره الوطني، وثانيهما «تعبئة الشركاء الدوليين للقارة لمواكبة برامج التنمية لدولها».

وبعد أن اقترح «إرساء آلية لتتبع تنفيذ المشاريع المتمخضة عن الشراكة»، تطرق بوريطة إلى قمة مراكش، مشيراً إلى أن الحضور القوي لأكثر من ألف مشارك يبرز المؤهلات والآفاق المهمة والواعدة للشراكة بين أفريقيا والولايات المتحدة في مجال التجارة والاستثمار والأعمال، كما يؤكد أهمية القطاع الخاص ومؤسسات التنمية والاستثمار كرافعة أساسية لهذه الشراكة.

وبخصوص انعقاد القمة على أرض المغرب، قال بوريطة إنه يجسد التزام المملكة الكامل بانتمائها الطبيعي لأفريقيا وحرصها على مواكبة استقرارها وتنميتها الاقتصادية المستدامة، كما يعبر عن نضج الشراكة الاستراتيجية المغربية الأميركية، التي بقدر تطورها على المستوى الثنائي، تسهم بشكل مباشر وفاعل في خدمة الأمن والاستقرار في فضاءات جغرافية أخرى، خاصة أفريقيا والشرق الأوسط.

وتطرق بوريطة إلى العلاقات المغربية – الأميركية، مشيراً إلى أنها «تتميز بقوتها وغناها وريادتها على المستوى الأفريقي»، لافتاً إلى أن الشراكة بين الجانبين تسمح اليوم بأن يمتد التعاون، بكل ثقة وثبات، ليشمل القارة الأفريقية برمتها.

من جهتها، توقفت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن، في مداخلة لها عبر الفيديو، على ما تمثله القمة، مشددة على أنها تأتي في منعطف تاريخي، مؤكدة استعداد بلادها لمواصلة الاستثمار في القارة الأفريقية وضمان ازدهارها، وخلق فرص التعاون التي يمكن البناء عليها على مستوى العلاقات الأميركية – الأفريقية، فيما يتعلق بتقاسم التجارب وضمان الإقلاع الاقتصادي وإطلاق الشراكات بين الجانبين، بشكل يخدم الازدهار والنمو عبر تطوير التمويل والدعم الفني وإدخال التعديلات على الإطارات القانونية، وذلك تقوية للشراكات لتحقيق التنمية المستدامة وضمان التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف مع تقوية الشراكة بين القطاعين الخاص والعام.

بدورها، استعرضت أليس أولبرايت، المديرة التنفيذية لـ«تحدي الألفية»، التي تقود وفد مبادرة «ازدهار أفريقيا» الأميركية إلى قمة مراكش، آفاق التعاون الأميركي والأفريقي، من خلال الانخراط في أعمال مشتركة وجلب المستثمرين، خدمة للشراكة بين الجانبين وتحقيقاً لأهداف التعاون الثنائي أو متعدد الأطراف.
من جهته، شدد شكيب لعلج رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، على مقاربة «رابح – رابح»، التي قال إنه يتعين أن تجمع بين الجانبين، الأفريقي والأميركي، مشدداً على السعي المشترك لمواجهة التحديات التي أفرزتها الأزمة الصحية العالمية وما تلاها من مستجدات دولية، همت بشكل خاص حرب أوكرانيا التي جاءت لترخي بظلالها على العالم.

كما تطرق لعلج إلى ما تزخر به القارة الأفريقية من مؤهلات غير مستغلة، مؤكداً استعداد المقاولات المغربية للانخراط في دينامية التعاون والشراكة، قبل أن يختم بضرورة النظر إلى أفريقيا كحل وليس كمشكلة.

أما أكينوومي إديسينا، رئيس البنك الأفريقي للتنمية، فتحدث بإيجابية كبيرة عن المغرب، مشيراً إلى أنه مثال حي، يشهد حركية ودينامية قوية على المستوى الأفريقي، وأن به موارد وكفاءات، من قبيل المكتب الشريف للفوسفات وميناء طنجة المتوسط. كما تحدث عن أفريقيا، مشيراً إلى أنها مورد مهم للغاز نحو أوروبا، فضلاً عن موارد طاقية أخرى، علاوة على قدراتها الزراعية الكبيرة، إضافة إلى آفاق تحولها إلى منطقة رائدة للتبادل الحر. وشدد إديسينا على أن قارة أفريقيا تقترح فرص استثمار مهمة، مؤكداً مواصلة العمل لاستقطاب رؤوس الأموال بتعاون مع وكالات أميركية لدعم الاستثمار في أفريقيا.

وتتميز القمة بمشاركة وفد حكومي أميركي رفيع المستوى ووزراء أفارقة وصناع قرار بأكبر الشركات الأميركية متعددة الجنسيات ودوائر الأعمال الأفريقية، وتمثل أيضاً فرصة لإبرام شراكات أعمال ثلاثية أميركية – مغربية – أفريقية متطلعة نحو المستقبل، فيما يشهد برنامجها حوارات رفيعة المستوى وجلسات عامة وحلقات نقاش وموائد مستديرة وأنشطة أخرى حول أولويات القارة الأفريقية من حيث الأمن الغذائي والصحة والزراعة وانتقال الطاقة والتكنولوجيا الجديدة والبنيات التحتية واندماج المنظومات الصناعية.

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةأسعار النفط تتحرك في نطاق ضيق بدعم من عوامل السوق
المقالة القادمةالاتحاد الأوروبي يطالب أعضاءه بتقليص استهلاك الغاز 15 %