انقضت فترة الأعياد في لبنان التي لم تنجح في استقطاب السيّاح، بل اقتصرت حركة الوافدين على بعض المُغتربين الذين أنعشوا حركة المطار إلى حدّ ما، إضافة إلى قطاع المطاعم بحيث لا يُمكن أنْ يُصنف ذلك بانتعاش سياحي شامل، سيّما أنّ الفنادق لم تشهد أية حجوزات اعتادتها في مواسم الأعياد والصيف.
لم يُعوض القطاع السياحي، وفق المعطيّات الأوليّة، الخسائر التي لحِقت به خلال الفترة الماضية لا سيّما ما خسره في فترة الصيف.
في هذا الاطار، يوضح رئيس اتحاد النقابات السياحيّة ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر، لـ “نداء الوطن”، أنّ “الوضع الحالي للحركة السياحيّة ينقسم إلى شقيْن. الأول، مرتبط بالتجّار والأسواق التجاريّة والمواد الغذائيّة والمطاعم والمقاهي والملاهي، الذين من المتوّقع أن يتحسّن وضعهم بمجيء اللبنانيين من الخارج وهم شبه الوحيدين القادمين إلى بيروت هذه السنة. وحتى أنّ هذا التحسّن يقتصر على عدد معيّن من المناطق”.
“أزمة الفنادق”
الشق الثاني يتعلّق بالفنادق، وفق الأشقر، الذي يعدّد سلسلة من الأسباب التي تُعرقل نشاطه، “المعضلة الأولى تتمثّل بتذاكر السفر، إذْ إنّ ما بعد إعلان وقف إطلاق النار استمرّت حالة الترّقب لما يُقارب الثلاثة أسابيع، وبعدها بدأ الطلب يزداد على التذاكر قبل فترات قصيرة من تاريخ السفر، ومن الطبيعي أن تكون الأسعار مرتفعة في هذه الحالة والمقاعد غير المحجوزة قليلة. لا نتوقّع أن تتخطّى أعداد القادمين إلى لبنان الـ 60% من العدد الإجمالي الذي كانت تُسجّله السنوات الماضية، خصوصاً وأن الطيران الأوروبي ومن البلدان البعيدة مثل كندا باتت أسعار التذاكر لديه مرتفعة جداً، حتى أن الخطوط الجوية القادمة إلى بيروت قليلة جداً.
“الانقلاب السوري”
المشكلة الثانية تتعلق بالانقلاب في سوريا. فأغلب الزبائن الذين كانوا يُغادرون عبر مطار بيروت هم من مؤيّدي النظام الذين كانوا يُشكلون الجزء الأكبر من الاقتصاد السوري، أما أهل المعارضة فلم يكن لديهم الجرأة على المرور عبر الحدود. وهؤلاء خسرناهم كزبائن لأنهم أصبحوا من الفارين وليس المسافرين، كما أن هناك علامات استفهام كثيرة حول العديد من الأسماء الكبيرة التي كانت تتردّد إلى لبنان أو تسافر عبره لأنه الممر الوحيد المتوفر لها.
“معضلة الحفلات”
المشكلة الثالثة، تتعلّق في غياب تنظيم حفلات في لبنان من الدرجات الأولى والثانية والتي كانت تستقطب العراقي والأردني والمصري والسوري وهم من الزبائن الوحيدين الذين حركوا السياحة جزئياً بعد انكفاء السياحة الخليجية. كذلك، وحسب أحدث المعلومات التي نقلت لنا، فإنّه من الممنوع على الطيران العراقي أن يطير فوق سوريا ما جعل مسافة الرحلات أطول وارتفعت أسعار التذاكر.
ويبقى أن اللبنانيين، الذي يمتلكون منازل في لبنان بنسبة 99%، كونهم ليسوا من المغتربين الفعليين، بل يعملون في الخليج أو أفريقيا أو أوروبا وعائلاتهم هنا في لبنان”، حسبما يُشير الأشقر.
قطاع تأجير السيارات
عن قطاع تأجير السيارات، يلفت الأشقر إلى أنّ “وضعه قد يتحسّن بعض الشيء. لكن الفنادق والشقق المفروشة هي الأكثر تضرّراً إذْ لا يُمكن أن نلمس ظاهريّاً أي تحسّن يتخطّى الـ 30% من نسبة التشغيل، هذا فقط ضمن نطاق بيروت، وهي نسبة متدنّية جدّاً. أما في جبل لبنان فأغلب المؤسسات السياحيّة فتقفل أبوابها في الشتاء. وتبقى مناطق التزلّج هي الوحيدة التي يُمكنها استقطاب الزبائن. في الوقت نفسه، بعض المناطق التي فيها بعض الحفلات من الدرجة الثالثة والرابعة والخامسة تستقطب، لكن من دون زخم أو نسب تشغيلية مرتفعة”، مُستذكراً “الأيام التي كان فيها لبنان لا يزال على الخارطة السياحية، حينها كانت نسبة التشغيل تصل إلى 100% على مدة تتراوح ما بين 15 و20 يوماً. وهذه النسب هي التي تحقق أرباحاً، أما النسب الحاليّة التي تتراوح ما بين 10 و30% تبعاً للمؤسسة فتدرج ضمن نطاق التخفيف من الخسائر“.
ماذا عن اليد العاملة؟
وبالنسبة إلى تداعيات الوضع السياحي على اليد العاملة، يُشير الأشقر إلى “أنها تمكنت من تحسين أوضاعها أكثر من أصحاب المؤسسات السياحيّة، لا سيّما في ظل ارتفاع الطلب على اليد العاملة اللبنانية المتخصّصة في العديد من البلدان العربية التي دخلت مؤخراً إلى المعترك السياحي وتحتاج إلى الآلاف من العمّال اللبنانيين. هناك قسم من اللبنانيين الذين افتتحوا مؤسسات فرنشايز في دول الخليج وأخذوا معهم اليد العاملة، أما القسم الآخر فقدم على وظائف. وبقي الهمّ الأكبر على صاحب المؤسسة الذي يُقاوم الظروف الصعبة منذ سنوات”.
العرب… عمود فقري للاقتصاد
يختم: “القطاع السياحي في مجمله لا يجب أن يبقى حلمه وأهدافه الاعتماد على موسم أو عيد أو حفلة، المفترض أن يُصبح البلد مستقراً ويعود إلى الخارطة السياحية العالمية مع تحضير برامج سياحيّة تمتد على سنوات مقبلة، سيّما وأن لبنان يتمتّع بالقدرات والمقوّمات اللازمة للوصول إلى هذا الهدف، والقطاع السياحي لديه الإمكانيّة لأن يعود القاطرة الأساسيّة للإقتصاد التي تدخل النقد النادر إلى الخزينة العامّة، وقد برهنّا ذلك في الماضي”، مشدّداً على أنه “صحيح أن الكوارث والخسائر غير الطبيعية تتوالى منذ العام 2019، لكن ما قبل 10 سنوات لم يكن وضعنا أفضل بكثير لأنّ السياحة الفعلية في لبنان هي العربيّة عامةً والخليجية خاصةً، وهي العمود الفقري للاقتصاد في لبنان. بلدان العالم تتقاتل لاستقطاب السائح الخليجي في حين كان هؤلاء يزورون لبنان من دون أي جهد لاستقطابهم، ويُنعشون الاقتصاد والاستثمارات فيه، حتى جاءت جهة لبنانية تهجّمت على الدول الخليجيّة وأساءت بالكلام إليها وهدّدتها حتى، فمنعت الدول رعاياها من زيارة لبنان. لن نتمكّن من استرجاع قوانا السياحيّة ما لم نبدأ بالمصالحة مع الخليج العربي لتحسين الوضع السياحي والاستثماري في أقرب وقت، بعدها يُمكن الاتجاه إلى بلدان العالم الأخرى”.
وحده قطاع المطاعم انتعش
من جهته، يشير الأمين العام لاتحاد النقابات السياحيّة جان بيروتي لـ “نداء الوطن”، إلى أنّ “كل وسائل الجذب السياحي التي كانت موجودة في لبنان من حفلات وفنانين ارتبطت مع شركات في الخارج. اليوم القطاعات السياحية المرتبطة بالسيّاح مثل قطاع الفنادق وتأجير السيارات والأدلة السياحيين وتأجير الشقق المفروشة وغيرها، كلها تعاني لأنّ نسبة الحجوزات في بيروت لم تصل إلى الـ 20% أما خارج بيروت فتتراوح ما بين 10 و15%. قطاع المطاعم هو الوحيد الذي سترتفع نسبة إشغاله لحوالى عشرة أيام لأنه يرتكز على العنصر اللبناني بامتياز الذي لم يخذلنا تحت أي ظرف، حتى أنّ اللبنانيين المقيمين في الخارج جاءوا هذه السنة لتمضية الأعياد مع أهلهم وعائلاتهم في لبنان”.
ويعتبر بيروتي أن “إعادة تسيير الرحلات إلى لبنان جاء متأخرّاً وأسعار التذاكر مرتفعة جدّاً. الحركة الوافدة في المطار هي نتيجة زيارة اللبنانيين العاملين في الخليج ودول أفريقية أو الطلاب. لكن، لم تشهد الحركة قدوم أجانب سيّاح، لا سيّما عراقيين وأردنيين ومصريين وتونسيين ومغربيين الذين عادةً ما كانوا يأتون إلى لبنان خلال فترة الأعياد”.
ويُنبّه إلى أن “لبنان ما زال يتحمّل توابع الحرب وسياسة الحرب ما زالت مستمرة، إذ نرى مناوشات إسرائيلية، فمثلاً الخطوط الجويّة الفرنسية أجلت إعادة تسيير رحلاتها إلى لبنان لشهر بسبب التخوف”.
“مُقارنة سياحيّة”
في مقارنة للحركة السياحية ما بين هذا العام والعام الماضي، يكشف بيروتي أنّ “الأشهر التسعة الأولى من الـ 2023 كانت جيّدة، لكنها تراجعت في آخر ثلاثة أشهر مع دخول لبنان الحرب. أما أرباح سنة 2024 كلها فلا تصل إلى 50% من أرباح العام السابق”.
ويختم: “القطاعات السياحيّة تُنازع ولا تزال صامدة لأنها متأمّلة بغدٍ أفضل. نحن أمام فرصة أخيرة لإعادة ركائز بناء الدولة الحقيقية أهمّها الاستقرار المستدام وإعطاء الأولويّة للاقتصاد، وإلّا سيكون المستقبل مُظلماً لأن أيّاً من القيّمين على القطاعات السياحيّة غير مُستعد لتحمّل المزيد من أعباء هذه الحالة”.