الأفران تتقشف في دوام العمل بانتظار المازوت… هل انتهى زمن “أعطِ خبزك للخبّاز”؟

نغمة المواطن، الذي ينتظر انتهاء طابور الخبز في الافران، راضياً قانعاً بالارتفاع الطفيف على سعر ربطة الخبز، تختلف عن نغمة أصحاب مصانع الخبز والافران. فعملية تجيير الزبائن تلقائية بين الافران، ان لم يجد المواطن مطلبه في الفرن الاول، ينتقل الى الثاني لعله يلبي حاجة عائلته. استفهمت “نداء الوطن” من رواد القطاع في منطقة جبيل، كسروان والمتن واستخلصت منهم أن التضييق على المؤسسات من وزارة الاقتصاد على عهد الوزير السابق راوول نعمة وعدم دراية الوزير الجديد أمين سلام بملفه، يعيق الحركة الاقتصادية بين الافران التي تبدأ من “اللمبة” وتنتهي بالموظف الذي قد يرفع راتبه. ليكون بذلك المطلب بين هؤلاء واحد موحد تغيير سعر ربطة الخبز او الانتقال الى تحرير السوق من منطق الدعم.

ظلامية عهد الوزير السابق تربك القطاع فيختصر كريستيان سيف (صاحب فرن ومصنع في كسروان) مشكلة قطاع الافران، والذي برأيه ان توحد يولد ثورة “السلام والخبز” تماماً كثورة روسيا عام 1918، مستمرة. فـ”بونات” الطحين المدعوم الذي وضع آليتها نعمة كالشيك بلا رصيد مما “دفشه” شخصياً الى الانتقال الى “السوق السوداء”، لتأمين التزامات عقوده مع مؤسسات ومستشفيات يزودها فيدفع على “الاعلى”، وفق معادلة “كلما ندرت المادة ارتفع سعر المواد الاولية لتشغيل مصنعه وفرنه”.

كابوس السوق السوداء على أنواعه الذي يشغل بال تيريز سمراني (ادارية في فرن شمسين – جبيل) صغّر من التنوع الاقتصادي في الفرن بفعل التقنين والتقشف والمراسيل الى وزارة الاقتصاد، التي تحمل مطالب باضافة كمية الطحين الى الـثلاثين طناً ولا صدى لها. تيريز التي تحولت الى باحثة في وزارة الاقتصاد لتفهم سبب التقشف في الطحين وتخبر عن الألم في تغير ميزان المدفوعات الذي يحرق كل الربح من كل الفروع سلفاً، مما جعل مصير الفرن والمصنع الواحد في المنطقة الواحدة رهينة بيروقراطية الدولة، لتكون بذلك الاستمرارية معلقة بقرارات الوزير الجديد الذي، اما يقتل القطاع او بكلمة منه غير مدروسة النتائج تقفل ابواب الرزق امام الموظفين.

تحجيم دوام العمل حل من الحلول الذي اعتمده فرن ومصنع صغير في جبيل، فبدل ان يفتح الفرن ابوابه للساعة التاسعة ليلاً، يقفل الساعة الرابعة بعد الظهر. ومع ذلك تستمر المولدات بالعمل اربع وعشرين ساعة على اربع وعشرين في ظل عدم الانتاج، بسبب انقطاع مادة الطحين، لتعذر تأمينها من المطاحن وتقليل الوزارة من قيمة الـ”بون” كل مدة، مما يكسر ظهر المصانع الصغيرة التي تعمل بكل طاقاتها كالمصانع الكبيرة لكن بربح اقل بسبب كمية الطحين الصغيرة.

كل هذا الروتين الذي دخل مجدداً على حياة اصحاب المعامل والافران يحتاج بنظره الى “ليونة” من الوزارة، فيطالب بتغطية هذا النقص باضافة أطنان على الـ”بونات”، فهنا الخلل الأكبر. الطحين ليس العقدة الوحيدة فالمازوت الذي يحرق أنفاس كل القطاعات، لا ينفّس السوق في جبيل الا لمدة قصيرة، على حد تعبيره، مكرراً رفضه اللجوء الى السوق السوداء اذ ان كل هذه المصاريف تمر على ميزان مدفوعاته المكسور وقد لا يطيل عمر فرنه الا مدة قليلة، حتى مع تقليص الأصناف المنتجة التي تحتاج الى طحين كمنتوجات الـ “باتيسري” وهي نفسها ايضا لها مصروف برادات لن يقدر هو عليه، كذلك الزبون، وتلك ترفع من فاتورة المولد في ظل تعنّت ابواب المصارف على المودعين والذي هو من بينهم. أمام هذا الواقع تؤكد مصادر معنية في القطاع لـ”نداء الوطن” أن سعر ربطة الخبز، سيرتفع قرابة الألف ليرة، لكن هذا الارتفاع سيذهب لصالح المطاحن، وليس لتسهيل حال فرن لا يمكنه ان يعوض خسارته بألف ليرة. فأي قرار “إنقاذي” ستأخذ وزارة الاقتصاد لهذا القطاع، ومن حساب من؟ وهل انتهى زمن “أعطِ خبزك للخبّاز”؟

 

مصدرنداء الوطن - ريتا بولس شهوان
المادة السابقةهل يحدّ “الربط الثابت” للدولار من تداعيات تحرير الدعم عن المحروقات؟
المقالة القادمةمتحدّثة صندوق النقد: الإصلاحات الشاملة والأمان الإجتماعي أولوية