الأمم المتحدة: على لبنان تغيير مساره والتركيز على العدالة والشفافية

اعتبرت الأمم المتحدة أن الدولة اللبنانية ومصرفها المركزي مسؤولان عن انتهاكات حقوق الانسان بما في ذلك الإفقار غير الضروري للسكان الذي نتج عن هذه الأزمة التي هي من صنع الانسان.

وقالت المنظمة الدولية في تقرير صادر عن المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر، بعد زيارته لبنان في تشرين الثاني 2021 وحصلت «نداء الوطن» على نسخة منه، كان لبنان قبل الازمة يتسم بالفعل بمستويات مروعة من تركيز الثروة في القمة وسياسات جبائية تشجّع التهرب وتعود بالنفع على على الأثرياء وإهمال مزمن لخدمات التعليم العام والرعاية الصحية وقصور في نظام الحماية الاجتماعية وفشل في قطاع الكهرباء. ويلزم أن يغير لبنان مساره ويمكن عكس اتجاه البؤس الذي حلّ بالسكان بقيادة تضع العدالة الإجتماعية والشفافية والمساءلة في صميم أعمالها.

واعتبر التقرير الذي تألف من 24 صفحة أن لبنان يتخبّط في أزمه من أسوأ الازمات الاقتصادية والمالية في التاريخ وأدى تدمير العملة الوطنية والزيادات الفاحشة في الاسعار وانهيار القطاع المصرفي الى تفقير معمم للسكان وسط ركود سياسي طائفي. ولئن كان معظم السكان الآن يأملون في ان يغادروا البلد، فان اولئك الذين بقوا وتحملوا العواقب دفعوا الى حافه الهاوية. ويمكن للمجتمع الدولي بل وينبغي له ان يقدم الدعم ولكن هذا الدعم لن يكون له أثر الا اذا اعتمدت اصلاحات هيكلية لموضوع التفقير.

ولفت التقرير الى أنه «كان من الممكن تجنب انهيار الاقتصاد اللبناني. ولئن كانت الجائحة والتدفق الهائل للاجئين حديثاً خارجين عن سيطرة الحكومة، فإن الاقتصاديين والخبراء الماليين ما فتئوا يحذرون من الأزمة الوشيكة منذ العام 2015 على الأقل. وتجاهلت القيادة السياسية عمداً هذه التحذيرات. وتتحمل الحكومة والمؤسسة السياسية الأوسع نطاقاً، ومصرف لبنان، والقطاع المصرفي المسؤولية بصورة مشتركة وفردية عن انتهاكات حقوق الانسان التي نتجت عن الأزمة المفتعلة التي يعيشها لبنان اليوم.

وأشار الى أن للمصارف المركزية، التي تتولى حماية الاستقرار النقدي والاقتصادي، ومراقبة سلامة القطاع المصرفي، وتنظيم عمليات تحويل الاموال، ضمن مهام أخرى، تأثيراً مباشراً على التمتع الكامل بحقوق الانسان الواجبة للأشخاص الذين يعيشون الفقر، ومن ثم فإن أعمالها وسياساتها تخضع للتدقيق المندرج في ولاية المقرر الخاص. ومصرف لبنان مؤسسة مستقلة، ولكنه بصفته جهازاً تابعاً للدولة، ملزم بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الانسان. وأدت أعماله إلى مخالفة الدولة اللبنانية بشكل واضح لالتزاماتها الدولية، بما في ذلك الالتزام بضمان مستوى معيشي لائق لسكانها.

قرارات ساهمت بخفض قيمة العملة

وسلّط التقرير الضوء على 3 قرارات اتخذها مصرف لبنان باعتبارها قرارات ساهمت مساهمة رئيسية في تخفيض قيمة العملة اللبنانية وما ترتب على ذلك من إفقار للسكان.

1 – يشكل انعدام الشفافية في مصرف لبنان عقبة تحول دون مساءلة الدولة. فالمصرف لا يبلّغ بوضوح عن خسائره في ميزانياته العمومية كل أسبوعين، حيث وجد مراجعو حسابات المصرف في العام 2018 أن سياساته المحاسبية «تختلف عن المعايير الدولية للتقارير المالية». ففي كانون الاول 2015 على سبيل المثال أظهرت وثائق سرية لصندوق النقد الدولي احتياطيات صافية سلبية لم يكشف عنها بلغت 4.7 مليارات دولار. وعلى وجه الخصوص لم ينشر مصرف لبنان بيانات الأرباح والخسائر من العام 2002، ويعتمد على إيرادات مستقبلية بالعملة الأجنبية تتجاوز بكثير حجم الناتج المحلي الاجمالي، وهي ممارسة طالما انتقدها صندوق النقد الدولي. وممارسات المصرف المبهمة في إعداد التقارير وعدم الإقرار بالخسائر، التي تقدر بأكثر من 50 مليار دولار في الوقت الراهن، تمنع تدقيق العموم لاستخدامه الثروة الوطنية.

وتعني الحيل المحاسبية في ما يتعلق بخسائره أيضا أن مصرف لبنان أحدث سراً ديناً عاماً ضخماً خارج إطار عملية شفافة لاعتمادات الميزانية، وسيثقل كاهل اللبنانيين لأجيال. ومما يثير القلق، أنه في الوقت الذي تدقق فيه اللجان النيابية عادة في عمل المصارف المركزية المستقلة، لم تسائل لجنة المال والموازنة في مجلس النواب قط قيادة مصرف لبنان بشأن ممارساته الشاذة في الابلاغ. ولذلك يجب أن تشمل الخطوة الاولى نحو الانعاش الإقرار بالخسائر ومراجعة حسابات مصرف لبنان. وينبغي أن تضع الحكومة حدا لقانون السرية المصرفية الضار الذي يحول دون المساءلة الحقيقية في القطاع المالي.

2 – من أجل اجتذاب الدولار عرض مصرف لبنان أسعار فائدة مرتفعة بشكل غير متناسب على المصارف التجارية والمودعين الاثرياء. واعتبر صندوق النقد الدولي أسعار الفائدة هذه بالفعل أعلى من السوق في العام 2016 وتمثل أرباحا غير متوقعة للمستفيدين بما يعادل نسبة 10 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وفي حين يمكن القول إن هذه العملية عززت احتياطيات رأس المال لدى المصارف، إلا أنها أضعفت الاستقرار للقطاع المصرفي بالتسبب في خسائر كبيرة في الميزانية العمومية لمصرف لبنان. ما أدى في نهاية المطاف إلى انهيار العملة وتدمير ثروة المودعين. وبمجرد إقرار الخسائر، يجب على الحكومة أن تضمن تحملها من قبل المساهمين والمودعين الاثرياء الذين استفادوا من ارتفاع أسعار الفائدة. وليس من قبل 1.2 مليون حساب لصغار المودعين الذين تقل ودائعهم عن 75 ألف دولار ولا من قبل عامة الناس من خلال التضخم كما هو الامر حالياً.

3 – يمثل الحفاظ على أسعار صرف متعددة حالياً عقبة أمام المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومن المعروف أنه يؤدي إلى الفساد. وعندما يبيع المركزي الدولار، وهو أصل عام محدود في لبنان، بمعدل أقل من سعر السوق الموازية، يمكن للصرافين تحقيق أرباح صافية عن طريق شراء وبيع العملة بينما تتضاءل احتياطيات مصرف لبنان الأجنبية. كما يستفيد من تعدد أسعار الصرف المستوردون الذين يمكنهم بيع مستورداتهم المدعومة بأسعار غير مدعومة. ويستخدم مصرف لبنان الأموال العامة لتستفيد منها الجهات الفاعلة بشكل مباشر على حساب بقية الناس. ويرى التقرير أن هذه الممارسات أسهمت في تدهور العملة وتدمير الاقتصاد وتبديد مدخرات اللبنانيين مدى الحياة. وأسهمت في نهاية المطاف في الزج بالسكان في دوامة الفقر.

واللافت أن التقرير يشير بوضوح إلى أنه كان بالامكان تجنب الازمة الاقتصادية تماماً، بل إن السياسات الحكومية الفاشلة هي التي اختلقتها. فللبلد مؤسسة سياسية تعاني من تضارب المصالح ولا يخضع فيها القطاع المصرفي والمصارف والمركزي للمساءلة إلى حد كبير، وللبلد مستويات مروعة من تركيز الدخل والثروة في القمة نتيجة لنظام ضريبي يشجع التهرب ويفيد الاثرياء.

واعتبر التقرير أن النظام السياسي في لبنان فاسد ويعاني من تضارب المصالح، وتشكّل الروابط بين السياسيين والقطاع المصرفي مصدر قلق اذ إن الأفراد المرتبطين بالنخب السياسية يسيطرون على 43% من أصول القطاع المصرفي التجاري ومن اصل 20 مصرفاً 18 منها لها مساهمون رئيسيون مرتبطون بالنخب السياسية. وتطرق الى عدم المساواة وضعف الإنفاق العام ورأى أن النظام الضريبي يعاني من ثغرات وقدّر التهرّب الضريبي بأكثر من 30% في العام 2018. أما الحماية الإجتماعية فهي محدودة ومنحرفة.

التوصيات ذات الأولوية

وعدّد التقرير التوصيات ذات الأولوية كما يلي: أولاً، توصيات الفئات المتضررة بشكل خاص من الأزمات فاعتبر أن التوصيات ذات الاولوية هي الفئات المتضررة بشكل خاص من الازمات، اذ ينبغي تعديل قانون الجنسية لعام 1925 للسماح للمرأة بنقل جنسيتها الى اطفالها وزوجها وتعديل قانون الاحوال الشخصية لعام 1951 لتسهيل تسجيل المواليد بالنسبة لجميع الاطفال بمن فيهم الاطفال المولودون لأبوين عديمي الجنسية. ولفت الى ضرورة ضمان حق جميع الاطفال في التعليم بغض النظر عن الوضع القانوني والوثائق . ويجب أن ينص القانون على الوثائق المتعددة بالميلاد أو الإقامة القانونية أو الجنسية ليست شرطاً للإلتحاق بالمدارس وحضور فصولها وإتمام الدراسة بها.

ينبغي ضمان الحق في العمل للاجئين السوريين والفلسطينيين من خلال فتح جميع المهن لهم بشكل قانوني والسماح لهم بالاستفادة من اشتراكاتهم في الصندوق الوطني، والغاء نظام الكفالة واعتماد العقد المعيار الموحد المنقح، وتحسين فرص حصول المرأة على العمل ومعالجة الفجوة في الاجور بين الجنسين. واستعدادا لانضمام لبنان الى اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، ينبغي مواءمة التشريعات المحلية مع الاتفاقية. وينبغي ان ينتقل لبنان من النموذج الطبي للاعاقة الذي لا يزال القانون رقم 2000/220 يستند اليه الى حد كبير، الى نموذج اجتماعي للاعاقة بطرق منها وضع اطار قوي لمكافحة التمييز.

وثانياً، عكس آثار الأزمات المتفاقمة كما يلي:

– ينبغي ان يقدم لبنان خطة انتعاش اقتصادي ومالي ذات مصداقية يتم فيها الاقرار بخسائر مصرف لبنان وتحملها من قبل المساهمين والمودعين الاثرياء، وتعزيز هيئة التفتيش المركزي بطرق منها توفير تموين مستقر ويمكن التنبؤ به ومتعدد السنوات وممارسة رقابة غير مقيدة على جميع الهيئات الادارية.

– يجب تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحه الفساد (2025 -2020) تنفيذاً فعالاً يشمل عملية تعيين شفافة لاعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بعيداً عن التدخل السياسي. وعلى المسؤولين الحكوميين أن يكشفوا علناً عن ذممهم المالية لضمان مواءمة افضل مع اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي صدق عليها لبنان.

وعند توسيع نطاق برنامج التحويلات النقديه ينبغي معالجة عدم حصول الاسر المعيشية المنخفضة الدخل على الاستحقاقات بوضع ضمانات حتى لا يؤدي الاستهداف الى الاستبعاد. ويجب تطوير عمليات التسجيل غير الرقمية حرصاً على الا يستبعد من البرنامج اولئك الذين لا يستطيعون الوصول الى الانترنت او لا يلمون بالتكنولوجيا الرقمية.

– ضرورة وضع استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية للإعتماد التدريجي لحدود دنيا للحماية الاجتماعية عن طريق نظام ضريبي تصاعدي يفرض ضرائب على الثروة ومن خلال التصدي للتهرب الضريبي واذا لزم الامر ينبغي رفع السرية المصرفية لضمان الامتثال. وفي ما يتعلق باصلاح قطاع الكهرباء وعمليه تفكيك مؤسسه كهرباء لبنان بشكل غير متناسب على ذوي الدخل المنخفض يجب إنشاء هيئة تنظيمية مستقلة من دون إبطاء لضمان الرقابة. كما أوصى التقرير بإيلاء الأولوية للاستثمار العام في التعليم والرعاية الصحية في الميزانيات الحكوميهة المقبلة.

 

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةتراخيص “محاصصة” لإنتاج الطاقة الشمسية… بموافقة إستثنائية!
المقالة القادمةتصدير القمح والزيوت بين وزير الاقتصاد وسفير أوكرانيا