الأموالُ المَنهوبة… السّوق الحرّة البداية

حوالي 27 مليار ليرة هو الرقم التراكمي الذي حُرمت منه بلدية الشويفات، وتاليًا الخزينة العامة، في صراعها مع شركة “باك” المشغّلة للسوق الحرة في مطار رفيق الحريري في بيروت، منذ العام 2016 وحتى اليوم.

300 مليون ليرة هو المبلغ الذي كرّسته الحكومة السابقة، بشخص وزير الأشغال يوسف فنيانوس، كرقم محتسب تقريبي لتدفعه الشركة التي يملكها المستثمر محمد زيدان، شريك الرئيس فؤاد السنيورة ونسيب الوزير السابق سليمان فرنجية.

وبحسب بلدية الشويفات منذ العام 1996 وخزينتها تعاني المظلوميّة كما خزينة الدولة، بسبب قرارات مجلس الوزراء التنفيعيّة التي كان مستثمر السوق الحرة محمد زيدان يستفيد منها. وعلى مدى أكثر من عشرين عامًا أوكلت السوق الحرة لزيدان بأساليب ملتوية مخالفة للنظام والمالية العامة. الخمسة عشر سنة الأخيرة تخمّرت بها الفضيحة أكثر، فكان يجري تمديد الإستثمار دون دفتر شروط أو لجنة مناقصات ودون مزايدة علنيّة، بل فقط بواسطة أو دعم علني مخالف بالطبع للقانون.

فنيانوس نفسه، والذي كان قد وعد بلدية الشويفات قبل قرارها التوجه نحو القضاء بمعالجة الأمر بعد مزايدة أجريت عام 2016 فاز بها زيدان، أدخل البند 23 في دفتر الشروط كي يحرم البلدية من حقوقها هي التي تمتلك نحو 89% من مساحات السوق الحرة، كما حاول اقحام الدولة اللبنانية لتكون طرفًا في الصراع، ولم ينجح.

شركة “باك” استغلت البند 23 من دفتر الشروط الجديد لتتهرب من سداد متوجباتها، هو الذي يفرض عليها سداد القيمة التأجيرية لبلدية الشويفات على أساس التسعيرات القديمة والمساحات السابقة، فيما يحق للبلدية بحسب القانون أن تستوفي من الشركة القيمة التأجيرية بحسب المزايدة التي تمت عام 2016 وعلى أساس المساحات الحالية والأسعار الجديدة. زيدان الذي نسق كل خطواته مع فنيانوس كان قد هدد باقتطاع قسم من العقد مع الدولة اللبنانية في حال وصول الدعوى التي تقدمت بها البلدية الى خواتمها السعيدة.

يحق لبلدية الشويفات تقاضي 7.5% من القيمة التأجيرية للمساحات المستثمرة في السوق الحرة والتابعة للبلدية، ما يعني 7.5% من الـ89% من حجم السوق، وتقدر بنحو 10 مليار ليرة سنوياً، وهو ما سعت شركة “باك” ومحمد زيدان للتهرب منه بغطاء سياسي كبير تمثّل بفنيانوس ومرجعيته السياسية وشركائه في الحكومة.

اليوم، وبعد ثلاث سنوات من الدعوى التي تقدمت بها بلدية شويفات، أقرّ القضاء بأحقيتها الحصول على مبلغ 10 مليار ليرة سنويًا من الشركة المشغّلة للسوق الحرة، الأمر الذي لم يكن ليحصل لولا رفع الضغوط السياسية في هذا التوقيت تحديدًا عن القضاء، اذ إن مجلس الشورى كان قد رفض تنحّي أحد القضاة الثلاثة عن القضية بعد طلبه ذلك، وهو الأمر الذي لا يمكن تفسيره سوى بأن ضغوط كبيرة مورست عليه بهذا الخصوص.

حتّى اليوم يبدو أن محمد زيدان غير مقتنع بالحكم المبرم الصادر عن القضاء، ولكن كي لا يُحكم على النوايا تبقى العبر في التنفيذ.

بلدية الشويفات استرجعت “أموالها المنهوبة” بعد معركة قضائية طويلة، لتكون تلك الخطوة مثالًا حيًا على امكانية استرداد الأموال المهدورة في حال تُرك القضاء شأنه وأعطي للقضاة حرية ضميرهم التي لا تكبّلها السياسة والمحاصصة.

هذه المرة، استعادت البلدية حقوقها، ولكن من يضمن لها ولباقي البلديات استعادة ما هُدر من حقوقهم في السنوات الماضية نتيجة غطاء غير قانوني مرة وآخر مقونن في مرات أخرى؟ استقلالية القضاء هي مفتاح محاربة الفساد.

قال وينستون تشرشل يومًا “خير لنا أن تخسر بريطانيا الحرب ولا أوقف تنفيذ حكم قضائي.” وفي لبنان يكبّل القضاء لسنوات طويلة لأجل عيون متعهّد يستفيد هو وتخسر الدولة.

 

صفاء درويش – ليبانون ديبايت

المادة السابقةالفيول يعود إلى “فاطمة غول وأورهان بيه”
المقالة القادمةالضغوطات على اقتصاد لبنان..