الأموال الإيرانية تدفعنا نحو “اللائحة السوداء”

اشتعلت الاعتراضات على مواقع التواصل الاجتماعي منذ فجر أمس الأول، على خلفية الطائرة الإيرانية التي حطت في مطار رفيق الحريري الدولي، وحامت شكوك حول حمولتها.

استنفر جمهور “حزب الله”، فأطلق مَسيرات بالدراجات النارية توجّهت نحو المطار فجر أمس، اعتراضاً على ما اعتبروه: “رفض السلطات اللبنانية دخول الأموال الإيرانية من أجل إعادة الإعمار”، متهمين السلطات اللبنانية بـ”التوأمة” مع إسرائيل في حربها على “المقاومة”.

لم تصدر توضيحات رسمية حول الحادث وملابساته، واقتصر الأمر على بعض التسريبات والاتهامات والاتهامات المضادة. لكن بمعزل عن حقيقة هذا الأمر، ثمّة أسئلة ملحّة لا بدّ من طرحها والبحث عن إجابات لها:

1- هل فعلاً كانت الطائرة تحمل أموالاً؟

تفيد معلومات مطلعة على حيثيات الحادث لـ”نداء الوطن”، بأنّ الجمارك اللبنانية في المطار، صادرت بالفعل حقيبتين لم يُعرف ما في داخلهما. وقد جرى الاتفاق على إيفاد “جهات دبلوماسية” (على الأرجح من وزارة الخارجية اللبنانية) من أجل الكشف على الحقيبتين.

كان يُفترض أن يُتخذ القرار بعد ذلك بإدخالهما في حال ثبت خلوّهما من أي ممنوعات، أو إعادتهما إلى المصدر. لكن حتى اللحظة لم يُعرف ما هي النتيجة، وسط ترجيحات غير مؤكدة تفيد بأنّ الحقيبتين قد دخلتا الأراضي اللبنانية بالفعل، وهذا ربّما يعني أنّهما خاليتان من أيّ أغراض ممنوعة.

معلومات أخرى تفيد بأنّ تتبّع مسار طائرة “ماهان” الإيرانية بدءاً من طهران بواسطة التطبيقات المتخصصة، أظهر أن الطائرة أجرت مناورة جوية قبل هبوطها في بيروت، وحطت في مكان آخر قبل المطار في بيروت… وربّما هذا ما عزّز الشكوك بأن تكون الطائرة الإيرانية تحمل شيئاً مريباً بالفعل. وعلى الأرجح فإنّ هذه الوقائع استدعت إصرار الأجهزة الأمنية اللبنانية في المطار، على تفتيش المسافرين على متن الطائرة، وكذلك تفتيش حمولتها وحقائب المسافرين المدنيين والدبلوماسيين بشكل مشدّد.

2- هل إجراءات السلطات اللبنانية في مكانها؟ وماذا لو كانت الحقائب تحتوي أموالاً بالفعل؟

حينما تتحدث السلطات اللبنانية عن تفتيش الحقائب، فذلك لا يعني أنّ الشكوك تحوم حول وجود أسلحة على متن الطائرة أو داخل الحقائب فحسب. فالأموال “الكاش” الواردة من الخارج (من أي جهة أتت) هي من بين الممنوعات لأنّ دخولها بهذه الطريقة تشوبه الشبهات، ويتخطى الأعراف الدبلوماسية وهو خرق فاضح لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.

من المعروف أنّ لبنان أدرج مؤخراً على “اللائحة الرمادية” لمجموعة العمل المالي (FATF) بتهمة “عدم الامتثال للمعايير الدولية من أجل مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”. من المعروف أيضاً أنّ إيران مدرجة على “اللائحة السوداء” في تلك المنظمة، وهي من أكثر الدول عدم امتثال لمكافحة تبييض الأموال، وهي خارج النظام المصرفي العالمي. مما يعني أنّ حصولنا على الأموال من إيران بهذه الطريقة المشبوهة يدفع بلبنان خطوة إضافية نحو “اللائحة السوداء”. أي نحو انقطاعه كلياً عن النظام المالي العالمي.

في هذه الحالة تكون جميع الأموال الشرعية الواردة من الخارج على شكل تحويلات مصرفية أو تحويلات بواسطة شركات تحويل الأموال، والمقدّرة كلّها بأكثر من 7 مليارات دولار سنوياً، مهدّدة بالتجميد.

هذا الأمر لن يطال بيئة “حزب الله” وحدها، وإنما سائر المواطنين اللبنانيين، خصوصاً أنّ مصدر تلك الأموال هو “الشريان الحيوي” الوحيد الذي يرفد اللبنانيين بالعملة الصعبة، ويوازن في ميزان المدفوعات (مقدرة بقرابة 3/1 من حجم الاقتصاد اللبناني).

3- هل لبنان واللبنانيون ضدّ الأموال الإيرانية أو ضدّ الإعمار؟

الجواب البديهي والسريع يفيد بأنّ أغلب اللبنانيين مع إعادة الإعمار، ولا اعتراضات إن كان جزءاً من الأموال المخصصة لذلك آتياً من إيران. وإنما المشكلة تكمن في طريقة وصول تلك الأموال إلى لبنان. قبيل الإعلان عن وقف إطلاق النار في 27 من تشرين الثاني الفائت، علمت “نداء الوطن” أنّ الحكومة اللبنانية كانت بصدد التنسيق مع البنك الدولي من أجل إطلاق صندوق خاص وظيفته جمع الهبات والمساعدات المرتقبة من الدول المانحة وتلك الصديقة للبنان. إلاّ أن مصير الصندوق المذكور ما زال مجهولاً، إذ يبدو أنّه مرتبط بعاملين:

أ- حماسة المجتمع الدولي لمساعدة لبنان.

ب- إرادة السلطة السياسية و”حزب الله” في تطبيق القرار 1701.

أوساط رئاسة الحكومة اللبنانية أفادت “نداء الوطن” في حينه، بأنّها استمزجت إيران حول استعدادها للتعاون مع البنك الدولي من أجل إيداع الأموال في الصندوق المذكور فور إنشائه. فكان الجواب في حينه، بحسب ما تؤكد أوساط الرئيس نجيب ميقاتي، أنّ “لطهران علاقة مع البنك الدولي ولا مانع لديها في ذلك”. إلاّ أنّ المطلعين على آليات عمل البنك الدولي، يفيدون بأنّ تلك الآلية قد تستغرق الكثير من الوقت، وتستدعي الحصول على موافقات مسبقة (Clearances) من الخزينة الأميركية قبل الشروع بقبول الهبات والمساعدات من طهران، نتيجة إدراج إيران على لوائح العقوبات.

وعليه، فإن ثبُت وجود أموال في الحقائب الدبلوماسية الإيرانية على متن طائرة أمس الأول، فهذا يشير إلى أنّ إيران قد عدلت عن فكرة التعاون مع الحكومة اللبنانية والبنك الدولي، واختارت دفع الأموال مباشرة لـ”حزب الله”.

أو ثمة احتمال آخر يفيد بأنّها لا تستطيع دفع أموال إعادة الإعمار، المقدّرة بما يزيد عن 5 مليار دولار، فقامت بتلك “الحركة البهلوانية” من أجل القول إنّ السلطات اللبنانية الرسمية لا تقبل منّا الأموال… فتدفع بذلك عنها تُهَم التقصير!

في كل الأحوال، ما قامت به السلطات اللبنانية في مطار رفيق الحريري الدولي هو قرار ينبع من “منطق الدولة”. قرار يجب أن يُعمّم ويسري على كل الطائرات الآتية من الخارج وتحوم حولها أو حول الجهة الآتية منها الشبهات.

ألم يطلب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم من الدولة تحمّل مسؤولياتها؟ فلماذا تعترض بيئة “الحزب” حينما تقوم الدولة بتحمّل تلك المسؤوليات أو جزء منها؟

مصدرنداء الوطن - عماد الشدياق
المادة السابقةقرارٌ في شأن التصريح عن ضريبة الدخل
المقالة القادمةالنفط قرب أعلى مستوى في شهرين وسط تفاؤل بجهود لدعم النمو العالمي