الخطوة من شأنها أن تزيد التحديات الاقتصادية التي تواجه البلد الذي مُنع بالفعل من الوصول إلى أسواق الدين العالمية.
أضاف إدراج مجموعة العمل المالي (فاتف) المعنية بمكافحة الجرائم المالية لبنان ضمن قائمتها الرمادية للدول الخاضعة لتدقيق خاص بشأن غسيل الأموال، محنة جديدة للاقتصاد المشلول يتوقع أن تعمق أزماته إن لم يتم القيام بمعالجات ضرورية ومحددة.
ومن شأن الخطوة أن تزيد التحديات الاقتصادية التي تواجه البلد، الذي مُنع بالفعل من الوصول إلى أسواق الدين العالمية منذ تعثره في سداد ديونه عام 2020.
ويأتي ذلك في ظل التضخم المرتفع واستمرار الفراغ السياسي وتصاعد حدة الحرب مع إسرائيل التي بدأت منذ أكثر من عام وتفاقمت بشكل ملحوظ خلال الشهرين الماضيين.
ويعيش لبنان أزمة مالية منذ عام 2019، تركتها قيادات البلاد لتتفاقم، ويواجه الآن أضرارا متزايدة من الغارات الجوية الإسرائيلية والعمليات البرية ضد حزب الله.
وقال مصدر لرويترز إن “الحرب دفعت مجموعة العمل المالي إلى منح لبنان مهلة حتى 2026 بدلا من 2025 لمعالجة القضايا التي أدت إلى إدراجه على القائمة الرمادية، بما في ذلك المخاوف بشأن تمويل الإرهاب والافتقار إلى الاستقلال القضائي”.
ومن المرجح أن يؤدي الإدراج الذي كان متوقعا على نطاق واسع إلى ردع الاستثمارات في لبنان، وقد يؤثر على العلاقة بين بعض البنوك المحلية والنظام المالي العالمي.
ويُعتبر التصنيف أقل خطورة على لبنان من وضعه على القائمة السوداء، ولكن التخلص من هذا التصنيف يتطلب موافقة أغلبية كبيرة من أعضاء فاتف على أن الدولة قد أحرزت تقدما كافيا منذ بدء عملية التقييم.
ومع ذلك، يمكن أن تؤدي اعتراضات بعض الدول الأعضاء إلى استمرار إدراج الدولة في “قائمة الدول التي تخضع لمراقبة متزايدة”. واعتبر مسؤول مصرفي لبناني لبلومبيرغ الشرق أن الأمور “غير إيجابية”، واصفا تداعيات إدراج بلده على اللائحة الرمادية بأنها “محدودة جدا”.
لكن المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أشار إلى أن البنك المركزي اللبناني حصل على ضمانات باستمرار التدفقات المالية من وإلى النظام المصرفي للبلاد.
وكان حاكم المركزي بالإنابة وسيم المنصوري، قد علّق في تصريحات صحفية قبل أيام، على احتمال صدور القرار، مشيرا إلى أن عملية إدراج الدول يأتي نتيجة لـ”معايير معينة، وهو إجراء روتيني دوري من قبل فاتف، وقد مرت عدة دول بهذه التجربة”.
وتشمل القائمة الرمادية مجموعة من الدول أو السلطات القضائية التي تعاني من أوجه قصور في أطر مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وعندما تُدرج دولة ما في هذه القائمة، تخضع لرقابة مشددة وتكون ملزمة بمزيد من المراجعات والتقييمات لتحسين أنظمتها.
وهناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى إدراج دولة على هذه اللائحة، منها عدم كفاية القوانين المتعلقة بمكافحة غسل الأموال والنقص في الأطر التنظيمية اللازمة، وضعف تطبيق تدابير العناية تجاه المتعاملين، وغياب الشفافية بشأن معلومات المستفيدين الحقيقيين.
وتضم القائمة حاليا 21 دولة، بما في ذلك موناكو ونيجيريا وجنوب أفريقيا والفلبين وفنزويلا وسوريا وجنوب السودان، واليمن.
وأفادت تقارير صندوق النقد الدولي لعام 2021 بأن الدول المدرجة في القائمة الرمادية شهدت “انخفاضا كبيرا إحصائيا في تدفقات رؤوس الأموال”، مما يثير المخاوف من تأثيرات إضافية على الاقتصاد اللبناني المتعثر.
ويقدر البنك الدولي أن الاقتصاد النقدي يشكل 46 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والذي بلغ العام الماضي 18 مليار دولار نزولا من نحو 51 مليارا في 2019، حيث سعى اللبنانيون الذين لا يثقون بالبنوك في أعقاب الأزمة إلى التعامل بالعملة الصعبة.
وأوجد ازدهار التعامل بالنقود أرضا خصبة لغسيل الأموال، وأدى إلى مخاوف من إمكانية وضع البلد على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، ومقرها باريس، والتي تضم البلدان ذات المخاطر العالية فيما يتعلق بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
واعتبر مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور أنه بمعزل عن العبء البشري للنزاع الجاري، فإن لبنان “يحتاج إلى دعم المجتمع الدولي” لتخفيف وطأة الصدمة الاقتصادية، بمنحه “هبات” والدفع باتجاه تسوية الوضع.
وشدد أزعور في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس على أن “الأولوية تتمثل في حماية الأرواح وإنقاذ سُبل عيش الناس، إنما كذلك في تقديم مساعدات إنسانية كافية للذين فقدوا كل شيء”.
وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن الاقتصاد اللبناني سيخسر 9.2 في المئة من ناتجه المحلي الإجمالي، فيما لم ينشر صندوق النقد الدولي أي توقعات للنمو في البلاد في عامي 2024 و2025 بفعل الوضع المتبدل فيه.
وأوضح أزعور في سياق تبرير صعوبة توقع المنحى، الذي سيتخذه الاقتصاد اللبناني، أن “هناك دمارا كبيرا في البنى التحتية، وأضرارا كبيرة جدا لحقت بمنطقة زراعية، وخسائر في الأرواح وتدمير وسائل إنتاج، وفي شكل عام تعطُّل النشاط الاقتصادي”.