تحوّل موظفو القطاع العام، في الملاك والأسلاك العسكرية في الخدمة والمتقاعدين المدنيين والعسكريين والمتعاقدين، إلى طبقة معدومة باتت تفتقر إلى رغيف الخبز بعد انخفاض القدرة الشرائية لرواتبهم وأجورهم أكثر من 20 ضعفاً. ومن المتوقع أن تتضاعف قيمة هذه الرواتب، في حال تنفيذ مرسوم المساعدة الاجتماعية بقيمة راتب شهر بدل نصف شهر. لكن، رغم هذه الزيادة تبقى رواتب الموظفين هي الأدنى في العالم، بحيث تتساوى والرواتب المعتمدة في أنغولا وسيريلانكا وأفغانستان.
يمكن هنا عرض بعض المطالب الأساسية التي على أساسها فُتح الإضراب:
– تحويل الرواتب على أساس دولار 1500 ليرة وضربه بـ8000، بما يعيد 31.5% من القدرة الشرائية للرواتب، أي أقلّ من ثلث قيمة رواتب عام 2019.
– توفير اعتمادات مالية كافية لتعاونية الموظفين وصناديق التعاضد لرفع تعرفاتها بما يوازي الأكلاف الطبية والدوائية والاستشفائية والخدماتية التي يتكبّدها المستفيدون من تقديماتها
– إقرار بدل نقل أو ليترات بنزين تغطي كلفة الانتقال من وإلى مراكز العمل.
هذه المطالب، بحدّها الأدنى، تطال الملاكات الوظيفية المدنية والعسكرية والمتعاقدين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين. أما الحقائق التي تدحض تذرّع عجز السلطة تنفيذ هذه المطالب فيمكن ذكر بعضها:
– كانت كلفة الرواتب توازي 12 ألف مليار ليرة، أي حوالى 8 مليارات دولار على سعر 1500 ليرة، وأصبحت اليوم 400 مليون دولار على سعر 30 ألف ليرة.
– مع إقرار مساعدة اجتماعية، بقيمة راتب عن كلّ شهر، يصبح إجمالي كلفة الرواتب 24 ألف مليار، أي ما يوازي 800 مليون دولار سنوياً، بحيث تبقى الخسارة عشرة أضعاف قيمة الرواتب.
– تجاوز التضخم 1000%، بينما زادت أكلاف الأسرة الشهرية أكثر من 20 ضعفاً.
– أما في حال أقرّت الحكومة تحويل الرواتب على دولار 8000 ليرة فتصبح كلفة الرواتب أقلّ من مليار ونصف المليار دولار في السنة.
– تجاوز حجم الدعم المهدور والمنهوب وعمليات تثبيت سعر الدولار منذ عام 2019 أكثر من 29 مليار دولار، أي ما يوازي كلفة الرواتب المطلوبة لعشرين سنة.
أما آلية تغطية أكلاف الرواتب المطلوبة فيكفي اعتماد تدابير فورية وسريعة بتعديل بعض الرسوم التي لا زالت تتقاضاها الدولة، ولأسباب مجهولة، على أساس 1500 ليرة للدولار وفي مقدّمها:
– رسوم الطائرات والمسافرين والمنطقة الحرة وقاعة الشرف والترانزيت ورسو السفن والتفريغ والتحميل على المعابر الحدودية، ورسو السفن واليخوت وغيرها الكثير والتي وحدها إذا حولت على دولار 8000 ليرة يمكن أن تؤمن أكثر من ثلاثين ألف مليار ليرة سنوياً.
– زيادة الرسوم على استثمار الأملاك البحرية والنهرية واستعادة الأموال المهربة والمنهوبة.
– إقفال مزاريب الصفقات والسمسرات.
– اعتماد الرقابة والمحاسبة العمومية والمناقصات الشفافة.
هذه النماذج ليست حلولاً تعجيزية أو مستحيلة، بل في متناول يد السلطة عندما تقرّر، وتحصيل مداخيلها ممكن وبسرعة فور إقرارها ووضعها موضع التنفيذ.
أما الإضراب العام المفتوح الذي ينفذه موظفو القطاع العام فيمكن تظهير مواقف فئات ثلاث حوله:
– فئة قليلة جداً من المستفيدين والمحسوبين على المرجعيات السياسية لم تكن أساساً مع الإضراب، ووقفت في وجهه ولم تتمكن من تغيير القرار بتنفيذه.
– فئة أخرى، قليلة أيضاً، تعتبر أن إقرار مساعدة بقيمة راتب شهر تكفي للتراجع عن الإضراب، ولكنها لم تعبّر عن ذلك علناً.
– أما الأكثرية الساحقة من الموظفين، فتعتبر أن ما أقرّته اللجنة الوزارية، والذي اقتصر على المساعدة الاجتماعية بقيمة راتب شهرياً، وهو تحصيل حاصل وارد في الموازنة العامة لا تغني عن جوع أطفالهم وأنينهم، وتجمّدهم برداً من دون تدفئة، ولا تحميهم من مخاطر المرض وفواتير المستشفيات والصيدليات.
كما أن اللجنة الوزارية تجاهلت كلياً زيادة موازنات تعاونية الموظفين والصناديق الضامنة لرفع تعرفاتها بما يفاقم المعاناة الصحية والاستشفائية القاتلة والمذلّة، وصولاً إلى موت الموظفين والمتقاعدين وعائلاتهم على أبواب المستشفيات والصيدليات.
كما أن الزيادة التي أقرّتها لبدل النقل كانت قاصرة جداً عن توفير أكلاف المحروقات، أو الانتقال التي يتكبّدها الموظفون ذهاباً وإياباً إلى مراكز عملهم.
في الخلاصة، إن الإضراب المفتوح للموظفين في القطاع العام يشكل صرخة محقة وعالية النبرة في وجه السلطة، وتعبير صادق عن وجع ومعاناة وإجحاف بحقهم بتوفير الحد الأدنى الضروري لاستقرارهم الوظيفي والحياتي والاجتماعي. وعليه، نؤكد دعمنا الكامل لتحرّكهم ولأي خطوة أو موقف تتخذه الرابطة لتحقيق المطالب الأساسية التي ترفعها، خصوصاً أنها مطالب موحدة لجميع الموظفين والقوى العسكرية والأمنية والمتقاعدين والمتعاقدين في الأسلاك كافة.
في الموقف، أمام هذه التحديات الكبرى التي تواجهها رابطة موظفي الإدارة العامة والضغوط التي يواجهها الموظفون، نرى أهمية وضرورة أن تترجم اتحادات نقابات وروابط الأساتذة والمعلمين والمصالح المشتركة والبلديات في الملاك كما المتقاعدين في الأسلاك التعليمية والإدارية والعسكرية مواقفهم المؤيدة للإضراب بابتداع أشكال للتضامن والدعم لهذا التحرّك ومن بين هذه الخطوات:
أ- إصدار بيانات تضامن وتأييد ودعم بهدف تخفيف الضغوط التي تمارس على الموظفين وهيئتهم النقابية .
ب- عقد اجتماع موسع للهيئات النقابية كافة لتنسيق الخطوات الضرورية لتحقيق المطالب ودعوة مشتركة لعقد مؤتمر صحافي موحد تطرح خلاله رابطة الموظفين المطالب والأسباب الموجبة لرفض عروض اللجنة الوزارية ومبرّرات استمرار الإضراب، كما ليعبر خلاله ممثلو الهيئات عن مواقفهم التضامنية مع الرابطة والموظفين.
ت- التحضير لمؤتمر وطني تضامني واسع خلال الأسبوع القادم في إحدى القاعات العامة لتحصين هذا التحرك النقابي المشرف وتوفير الغطاء الوطني والشعبي له.
ختاماً، يبقى إضراب الموظفين شمعة مضيئة في ليل الحركة النقابية التي لو تصدّت للسياسات النقدية وعمليات الهدر والصفقات والسمسرات ومارست دورها بإرادة نقابية وطنية لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من تراجع لمداخيل اللبنانيين لأكثر من عشرين ضعفاً، ولما تجاوز التضخم الألف في المئة، والحدّ الأدنى للأجور دون المائة دولار شهرياً.