الإعتراضات تواكب النقاشات.. والحكومة تــسابق الإضرابات..

 

 

الأجواء الحكومية باتت تجزم بقرب موعد إحالة الموازنة الى مجلس النواب، وأنّ المسألة باتت مسألة ساعات، وإن بقيت هناك امور عالقة وتعذّر البت بها في مجلس الوزراء، فبالإمكان ترحيلها الى مجلس النواب، إذ انّ هناك متسعاً من الوقت لبلورة مخارج وحلول للبنود المقفلة، إن في جلسات اللجنة النيابية للمال والموازنة، التي قد تستغرق في دراسة المشروع شهراً او اكثر بقليل، او في الهيئة العامة لمجلس النواب، التي يُفترض ان تقرّ مشروع الموازنة في النصف الثاني من الشهر المقبل، إن تمّت إحالة مشروع الموازنة من قِبل الحكومة الى مجلس النواب خلال اليومين المقبلين.

الواضح في نقاش مشروع الموازنة في مجلس الوزراء، انّ الحكومة أمام مهمة شاقة، حيث يبدو جلياً انّ امامها جملة تحدّيات:

– التحدّي الاول، ان تتمكن من النجاح في التحدّي الذي تخوضه في بناء موازنة متقشفة بعجز مقبول، وبأقل الاعتراضات الممكنة على الاجراءات التخفيضية لبعض الرواتب وملحقاتها. وبالتالي إقناع المواطن اللبناني، بموازنة يتفق الجميع على انّها رقمية، تفتقد الى رؤية لكيفية معالجة الأزمة الاقتصادية.

– التحدّي الثاني، ان تتمكن من تجاوز تعدّد الآراء الوزارية داخل مجلس الوزراء وتناقض بعضها مع بعضها الآخر، حول بعض بنود الموازنة، وما يتصل بالتخفيضات المقترحة للرواتب وملحقاتها والتقديمات.

– التحدّي الثالث، ان تتمكن من النجاح في الإزالة المُسبقة لأي مطبّات يمكن ان تعترض طريقها، بفعل ما تسمّيها “الإجراءات غير الشعبية” (التي تهدف الى تخفيف العجز وتقليص النفقات بنحو 1200 مليار ليرة)، وبالتالي احتواء اي تداعيات وتحرّكات واعتراضات قد تنشأ عنها.

– التحدّي الرابع، ان تتمكن من زرع الثقة بها من قِبل المواطن، وهذا الامر يتطلب “معجزة” بالحد الادنى، وايضاً خطوات إصلاحية نوعية، تبدأ وتنتهي عند المحاربة الجدّية والصادقة والجريئة للفساد.

وسط هذه التحدّيات، تابع مجلس الوزراء جلساته امس، على ان يستكمل دراسة الموازنة في جلستين يُفترض انهما الاخيرتان، الأولى مساء غد الاحد والثانية قبل ظهر الاثنين المقبل.

اما ما أنجزته في جلسة الامس، فلخّصه وزير الإعلام جمال الجراح بقوله بعد الجلسة، انّ المجلس اقرّ رفع الضريبة على فوائد المودعين والمصارف من 7% إلى 10% لمدة 3 سنوات، وكذلك اقرّ رفع سن التقاعد في الاسلاك العسكرية.

امّا في ما خصّ “التدبير رقم 3″، فقال الجراح: “الحكومة ستطبّق القانون بخصوصه، وبالتالي تطبيقه بمواجهة العدو الاسرائيلي والباقي تدبير رقم 1، لكن ترك الامر لقادة الأجهزة الأمنية تحديد الحالات لاعتماد التدبير رقم 1 أو التدبير رقم 2 أو التدبير رقم 3”.

اضراب عام

بالتوازي مع الجلسة، استمرت الحركة الاعتراضية بالتصاعد، حيث دعت هيئة التنسيق النقابية الى “الإضراب العام والشامل اليوم”، وحذّرت من “انّه في حال التعرّض لحقوقها، ستعلن الإضراب المفتوح في المدارس والثانويات والمعاهد المهنية والإدارات العامة وشل كل المؤسسات، مستخدمة حقها القانوني بالإضراب والتحرّك المشروع، لأنّ الدستور كفل الحرّيات العامة وأسقط المادة 15 من المرسوم الاشتراعي 112 ولا حاجة للتذكير بها والتهديد باستعمالها”.

واستنكرت الهيئة في بيان امس، “الانقلاب على المواقف والتصريحات التي صدرت عن المسؤولين ومن أغلب الكتل السياسية، والتي أكّدت على عدم المس بالرواتب والتقديمات الاجتماعية وحقوق المتقاعدين، لتعود وتطال هذه الحقوق بمناقشات الموازنة في مجلس الوزراء، وسبق لها ان حذّرت من الخديعة والالتفاف”.

وجدّدت الهيئة رفضها “المس بالرواتب كلياً، سواء للذين تبدأ رواتبهم بـ 3 أو 4 ملايين ليرة. واعتبرت انّ “إلغاء المِنح المدرسية للقطاع العام، وخصوصاً لمنتسبي تعاونية موظفي الدولة، يؤدي إلى كارثة إجتماعية وإقتصادية”، لافتة الى انّ “الرواتب التقاعدية هي نتاج محسومات على الرواتب بنسبة 6%، والتي من المفترض أن تقدّم الدولة 8,50% إضافة إليها”، كما اكّدت انّ”الإجازة الإدارية البالغة 20 يوماً سنوياً هي حق مكتسب للموظف الإداري، وانّ تخفيض هذه الإجازة لن يقدّم أي قيمة إضافية لا مادية ولا إنتاجية”.

إلى ذلك، إعتصم العسكريون المتقاعدون في رياض الصلح وحرقوا الإطارات رافضين المس برواتبهم او حقوقهم، وشارك في الاعتصام النائب شامل روكز مؤيّداً حقوق زملائه.

وأعلنت هيئة التنسيق لحراك العسكريين المتقاعدين في بيان، أنّ “العسكريين المتقاعدين لا يعيشون براتب كامل، فكيف سنعيش بنصف راتب؟”، مؤكّدة “اننا لن نخرج من الشارع قبل سحب كل البنود المتعلقة بحقوقنا من الموازنة”، مشيرة إلى أنّ “المشكلة ليست في رواتبنا بل في منظومة الفساد، حيث لا بدّ من إقرار قانون استعادة الاموال المنهوبة ورفع الحصانة عن الفاسدين ليتمكنوا من مساءلتهم”.

كذلك، نفّذت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية اعتصاماً أمام وزارة التربية، أكّدت خلاله “المضي في الإضراب الى أن تصدر موازنة تصون حقوقنا”.

في المقابل، إعتبر وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيّب، “انّ الإضراب لم يأتِ في موقعه وليس في توقيته”، وذلك بعد ان التقى وفداً من الاساتذة المعتصمين واطلع على مطالبهم في مكتبه في الوزارة، وحاول طمأنتهم “لجهة انّ موضوع الرواتب لم يُطرح بعد”، داعياً إيّاهم إلى “رفع الإضراب” .

جنبلاط

في هذا السياق، قال رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لـ”الجمهورية”: «العمل على وضع موازنة تقشفية أزال الستارة عن كنوز من الهدر كانت طوال عقود محصّنة بقبب حديدية من السرّية”.

واعتبر أنّ “المس برواتب صغار الموظفين أو ذوي الطبقات المتوسطة يقع في خانة الممنوعات التي يرفض “الحزب التقدمي” المساومة عليها”. وأبدى خشيته من أن يسعى كل فريق إلى حماية قطاع معيّن ويعفيه من “ضريبة” المساهمة في سلّة الحلول الإنقاذية، لأسباب سياسية أو طائفية، كونها معادلة خطرة ستحمل البلاد إلى مطارح صعبة ودقيقة جداً، مشيراً إلى أنّ وحدة الموقف والكلمة هي الممر الإلزامي للاستفادة من هذه الفرصة الذهبية.

وحول التدبير رقم 3 قال: “لا أحد يريد الاستخفاف بتضحيات الضباط والعسكريين، وليس المقصود تحميلهم أعباء “مقص الاقتطاع”، لكن على الجميع المساهمة في ترشيد الموازنة وترشيقها، كما أنّه من غير المقبول التوسّع في اعتماد التدبير رقم 3 ليشمل كل الأسلاك العسكرية وكل القطاعات، الغموض الذي يكتنف هذا التدبير، يدفع إلى الدعوة إلى إعادة النظر فيه”.

وأبدى جنبلاط إستغرابه “مما يتم اكتشافه يومياً في جداول الإنفاق التي تجري مياهها من تحت أقدام المكلّفين. ومن هنا، فإنّ المعركة قاسية جداً وتتطلب توحيد الجهود والكلمة لوضع موازنة متوازنة قادرة على وقف التدهور المالي”.

عجز منخفض

إلى ذلك، قالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية”، انّه “لا بدّ من الوصول الى موازنة بنسبة عجز منخفضة الى ما دون 9% وهو ما سعى الى إنجازه وزير المال علي حسن خليل، الذي اعدّ صيغة لموازنة بنسبة عجز دون 9%، وتحديداً 8,8%. وهذه الموازنة وإن كانت غير مثالية، الّا انّها تبقى افضل ما يمكن الوصول اليه حالياً، وسيُصار الى البناء عليها في الموازنات اللاحقة بما يؤدي الى تخفيض نسبة العجز اكثر والى ما دون الـ8%، وبالتالي مصلحة البلد حالياً هي في إنجاز الموازنة، لأنه ما لم نصل الى موازنة مخفضة، فلذلك تداعيات خطيرة، تضع لبنان على سكة الانهيار. واول غيث السلبيات في هذا المجال سيكون خسارة لبنان لتقديمات مؤتمر “سيدر”، التي يُعوّل عليها لأن تشكّل رافداً مهماً لانعاش الاقتصاد اللبناني”.

ورداً على سؤال قالت المصادر: “انّ المهم بالنسبة للحكومة ليس إقرار موازنة تعطي من خلالها إشارة ايجابية الى المجتمع الدولي، بل الأهم هو ان تعطي اشارة الى المجتمع اللبناني بأنّها جدّية في مسار المعالجات، والانطلاق بورشة عمل جدّية ومتواصلة لمكافحة الفساد. ومن هنا فإنّ التضحية مُطالب بها الجميع في هذه الفترة، حتى ولو كانت موجعة في بعض نواحيها”.

مسؤولية الحكومة

في المقلب الآخر، قالت مصادر نقابية لـ”الجمهورية”: “مسؤولية الحكومة البحث عن الطرق السليمة لتخفيض العجز، الّا انّها تستسهل التصويب على حقوق الموظفين كونه الخيار الاسهل لتقليص الإنفاق”.

ورفضت المصادر هذا المنحى وقالت: “من غير الجائز تحميل الناس أعباء المعالجات المفترضة لأزمة هم ضحاياها ورهائنها بالدرجة الاولى، كما من غير الجائز الطلب من هؤلاء تقديم تضحيات وتنازلات إضافية قبل ان يكون الإصلاح والتقشف قد جففا أنهر الفساد المتدفقة في كل الادارات والوزارات. فقبل الاقتراب من حقوق الموظفين المكتسبة والمحمية بقوة القانون، يجب وقف الهدر وعصر النفقات غير المجدية، التي تخسّر الخزينة مبالغ طائلة”.

وفي وقت تتعالى فيه الاصوات لزيادة الضرائب على ارباح المصارف، قالت مصادر مصرفية لـ”الجمهورية”: “البعض يميل الى القاء المسؤولية على المصارف وتصويرها وكأنّها هي سبب تفاقم الأزمة. فالمصارف سبق ان ادّت قسطها، ولا يجوز تحميلها المزيد من الأعباء الثقيلة، خصوصاً انّ الضرائب المستوفاة من هذا القطاع هي الأعلى قياساً الى القطاعات الاخرى في لبنان”.

لا انهيار

في السياق نفسه، حذّرت مصادر مالية من مخاطر ضخ الشائعات حول الوضع النقدي، والتي تسببت في الايام الاخيرة، في إرباك شديد في هذا القطاع، على حدّ ما تُبلغ مراجع سياسية من كبار المعنيين بالقطاع المالي.

وعلمت “الجمهورية” انّ الجهات الرسمية اللبنانية، تلقت تقريراً أعدّه خبراء اقتصاديون حول الوضع في لبنان، ومقارنته بوضع اليونان، خلص في نهايته الى انّ الاسباب التي ادّت الى الانهيار والافلاس في اليونان، ليست موجودة في لبنان”.

وبحسب التقرير، فإنّ ما يحصل في هذا الاطار، هو عملية تخويف مريبة يقوم بها اشباح لدبّ الذعر بين الناس، حول انّ لبنان مقبل على الانهيار والافلاس. فالامور ليست بهذا السوء، ذلك انّ الوضع الاقتصادي حالياً برغم ما يعانيه، افضل مما كان عليه قبل سنوات، ولو لم يكن كذلك لكان البلد انهار منذ سنوات. فضلاً عن احتياطي مصرف لبنان بالعملات الاجنبية كان خلال السنوات لا يزيد عن بضعة مليارات من الدولارات، فيما الاحتياطي اليوم يبلغ حوالى 38 مليار دولار. إضافة الى انّ متانة القطاع المصرفي وقوته اكثر بكثير مما كانت عليه في السنوات.

ويقرّ الخبراء، بأنّ لبنان يمر بأزمة اقتصادية ومالية دقيقة، لكن المجال للخروج منها وتجاوزها ممكن، في حال أظهرت القوى السياسية جدّيتها بالمعالجة واتخاذ إجراءات حاسمة وتنفيذية على صعيد خطة الكهرباء وعلى صعيد الموازنة العامة، واذا تمّ التوافق على الابتعاد عن المزايدات، والسجالات السياسية والشعبوية.

باسيل

إلى ذلك، قال وزير الخارجية جبران باسيل، “انّ لبنان يمرّ بمرحلة اقتصادية صعبة، ونحن امام تحدٍ لنظهر كحكومة قدرتنا على إقرار موازنة رشيقة وتعكس ارادة فعلية بالتغيير”.

وأشار باسيل، الذي زار رئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة امس، الى انّه شرح لرئيس المجلس أفكاره في ما خصّ مشروع الموازنة، مؤكّداً وجود توافق “بأنّ الوقت حان لتحسم الدولة أمرها وتقرّ موازنة غير عادية”.

ولفت باسيل الى أنّ “محاربة التهرّب الضريبي والاصلاح الحقيقي ضروريان لإقناع الرأي العام اننا ذاهبون الى موازنة تقشفية جدية”.
وفي جانب آخر، اشار باسيل الى انه بحث مع بري ملف الحدود البرية والبحرية وقال: “نسّقنا الموقف لمزيد من المتانة ولنحافظ على حقوقنا، علماً أنه ما من خوف على هذه الحقوق”. وطمأن باسيل الى أنّ اسرائيل أعجز من أن تمد يدها على ثرواتنا.

مصدرجريدة الجمهورية
المادة السابقةالموازنة “تكافئ” العسكر: سندات خزينة غير قابلة للصرف
المقالة القادمةبالمستندات الدامغة… خطوط التوتر في المنصورية: الحقيقة الكاملة