حذرت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) البلدان النامية من الاعتماد المفرط على السلع “عميقة الجذور” لتصحيح مسارها الاقتصادي والتي تشمل الطاقة والتعدين والزراعة سواء القمح أو القهوة أو المعادن كالنحاس والليثيوم.
وأكدت في تقرير صدر الثلاثاء حول “حالة الاعتماد على السلع الأساسية خلال عامي 2021 و2023” أن الاعتماد على هذه المنتجات، التي لطالما كانت مصدر قلق عالميا، يعيق التنمية الصناعية ويهدد الاستقرار المالي للدول عند تقلب الأسعار العالمية.
ويقوم التقرير المنشور على المنصة الإلكترونية المنظمة بتحليل التحولات التي شهدتها تدفقات التجارة على مدى السنوات العشرة الأخيرة، والأنماط الإقليمية للاعتماد على السلع الأساسية، فضلاً عن الاختلافات المستمرة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية.
وقالت أونكتاد إن “مما يثير القلق أن الاعتماد على السلع الأساسية منتشر في الاقتصادات الضعيفة والهشة هيكليا، مما يؤثر على أكثر من 80 في المئة من أقل البلدان نموا والبلدان النامية غير الساحلية ونحو 60 في المئة من الدول الجزرية الصغيرة النامية.”
وكشفت أن ثلثي البلدان النامية تقريبا، أي 95 من أصل 143 دولة، ظلت معتمدة على السلع الأساسية خلال عامي 2021 و2023 خاصة في دول وسط وغرب أفريقيا والتي حقق معظمها أكثر من 80 في المئة من عائدات صادراتها من السلع الأولية.
وجاء ذلك بالتزامن مع ظهور أنماط مماثلة في آسيا الوسطى وأميركا الجنوبية حيث تلعب ثروة الموارد دورا محوريا في التجارة.
ونبه التقرير إلى أنه من دون بذل المزيد من الجهود لتنويع الاقتصادات وإضافة القيمة فإن الدول تخاطر بإهدار فرص تحويل ثرواتها من المواد الخام إلى محركات للنمو المستدام والمرن.
وقال خبراء أونكتاد في تقريرهم إن “صادرات السلع الأساسية لا تزال تشكل محورا أساسيا في الاقتصاد العالمي مشكلة 32.7 في المئة من التجارة الدولية من حيث القيمة بين عامي 2021 و2023 بانخفاض طفيف عن 35.5 في المئة المسجلة قبل عقد.”
وبمقارنة الفترتين فقد ارتفعت قيمة التجارة العالمية في السلع بنسبة 25.6 في المئة، بينما توسعت تجارة السلع الأساسية ببطء نسبي ولم تتجاوز 15.5 في المئة.
ونوه الخبراء إلى أن هذا التحول يؤكد أن الدول التي تصدر المواد الخام بشكل رئيسي قد تحرم من الاستفادة من المزايا الأوسع للتجارة العالمية مدفوعةً بشكل متزايد بالتنويع والابتكار والإنتاج ذي القيمة المضافة.
وواصلت منتجات الطاقة هيمنتها على تجارة السلع الأساسية العالمية، حيث شكلت 44.5 في المئة من إجمالي القيمة خلال الفترة المذكورة وإن كانت هذه الحصة أقل بكثير مما كانت عليه قبل عقد حيث بلغت 52.1 في المئة.
وعزت المنظمة ذلك إلى انخفاض أسعار النفط وتغير الطلب على الطاقة، بما في ذلك التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، مما أعاد تشكيل تدفقات التجارة العالمية.
وفى ذات الوقت لفت التقرير إلى أن صادرات السلع الزراعية نمت بنسبة 34 في المئة لتصل إلى 2.3 تريليون دولار معظمها من المواد الغذائية تلتها منتجات التعدين بزيادة قدرها 33.4 في المئة في قيمة الصادرات بمتوسط 1.65 تريليون دولار سنويا.
صادرات السلع الزراعية نمت بنسبة 34 في المئة لتصل إلى 2.3 تريليون دولار معظمها من المواد الغذائية
وصدّرت آسيا وأوقيانوسيا 37.1 في المئة من صادرات السلع العالمية خلال الفترة 2021 – 2023 مع حصة كبيرة من دول غرب آسيا. وشكلت الإمارات والسعودية أكثر من نصف إجمالي الصادرات دون الإقليمية.
وفي المقابل، شهدت أفريقيا انخفاضًا بنسبة 5.6 في المئة في قيمة صادراتها من السلع، ويعزى ذلك أساسًا إلى تراجع متوسط أسعار النفط بنسبة 20 في المئة وتقلص أحجام الصادرات من أكبر مصدري النفط في القارة، وهي الجزائر وأنغولا ونيجيريا.
وتسعى منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى مساعدة الدول على تحديد المخاطر والفرص المرتبطة بثروة السلع بشكل أفضل.
وبفضل البيانات والتحليلات الدقيقة التي يوفرها التقرير، يمكن لصانعي السياسات تقييم مواطن الضعف بشكل أفضل، واغتنام الفرص، وتصميم إستراتيجيات فعالة للتنويع الاقتصادي، وإضافة القيمة، والتنمية المستدامة.
تقف التحديات الخارجية المتزايدة حجر عثرة أمام تحقيق أهداف النمو واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصادات النامية رغم الجهود التي تبذلها الحكومات لتحسين البنية التحتية وتقديم الحوافز، وتعزيز الإطار القانوني والمؤسسي.
وتتمثل أبرز التحديات في حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، الناجمة عن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والحروب التجارية، وصعود النزعة الحمائية لدى بعض الدول الكبرى، والتي ذكتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأفاد البنك الدولي بأن تدفقات رؤوس الأموال إلى تلك الدول انخفضت إلى 435 مليار دولار في عام 2023، وهو أدنى مستوى منذ عام 2005، في حين تدفق 336 مليار دولار فقط إلى الاقتصادات المتقدمة، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1996.
وفي تقرير نشر في يونيو الماضي أرجع البنك ذلك إلى تزايد الحواجز الاستثمارية والتجارية، والتشرذم، والمخاطر الاقتصادية الكلية والجيوسياسية والتي “تُضعف آفاق تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول النامية، مما يُشكل تهديدًا لجهود التنمية.”