كيف يمكن بناء اقتصاد رقمي في لبنان في ظل الأزمة المالية الحالية وانهيار القطاع المصرفي؟ وما هي القواعد المالية والضرائبية التي يجب أخذها في الحسبان عند اطلاق الاقتصاد الرقمي في لبنان من جديد؟ سؤالان كانا محور ندوة عقدت في الجامعة الاميركية في بيروت ضمن فعاليات مشروع «لبنان في قرنه الثاني: رؤية مستقبلية»، وتحدث فيها كل من عضو الجمهورية القوية الدكتورة ندى أيوب والخبيرة في مجال الأبحاث القانونية المصرفية والمالية، الدكتورة سابين الكك، والخبير الاقتصادي والإستراتيجي في الأسواق المالية، الدكتور جهاد حكيم.
شروط وقوانين
بداية كلمة ترحيبية من الدكتور عمرو الكبي، ثم تحدثت أيوب معتبرة أنه «بمجرد الحديث عن الاقتصاد الرقمي والمعرفي يتوجب علينا بداية التأكد من توفر عدة شروط منها سن القوانين والتشريعات اللازمة، وتوفير البنى التحتية والدعامات لنموّه وازدهاره، ووجود بيئة بشرية متفاعلة وفاعلة إلى جانب التحول الرقمي في إدارات الدولة ومؤسساتها، وتفعيل الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في هذا المجال».
وأشارت الى أنه «للأسف في لبنان وُضعت إستراتيجيات عدة للسياسات العامة التي تتعلق بالتحول الرقمي ولكنها تتغير تبعاً لتغير الحكومات، ما يعني غياب التخطيط القريب والبعيد المدى»، لافتة الى أن «لبنان مهد الطريق بخطوات عدة تسهم في المضي قدماً نحو الاقتصاد الرقمي، كالاهتمام بالتحول الذي يرعاه القانون مثل قانون البيانات الشخصية والمعاملات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني، ومن شأن هذا الأمر أن يؤمن بيئة حاضنة للاقتصاد الرقمي لكنه ليس كافياً».بديل عن الإقتصاد التقليدي؟
وسألت: «في ظل الازمة التي نعيشها هل يمكن للاقتصاد الرقمي ان يكون بديلاً عن الاقتصاد التقليدي؟ وهنا يمكن وضع سياسات ضريبية لخلق بيئة وفرص وحوافز لجذب الاستثمارات في الاقتصاد الرقمي والادمغة؟»،مشددة على أن «لبنان يواجه عدة تحديات أولها عدم وجود اطار عام للاقتصاد الرقمي والمعرفي، ولا بيئة لتقديم خدمات للشركات للاستقرار فيه ولا سيما على صعيد البنى التحتية وغياب النفقات الاستثمارية التي تمكّن بعض الوزارات والقطاعات من الاستثمار لتعزيز الاقتصاد الرقمي ( قطاع الاتصالات) على سبيل المثال».
أضافت: «هناك من يطرح قيام مناطق اقتصادية تتأمن لها البنى التحتية اللازمة، وتخصيصها بنظام ضرائبي يسمح لهذه الشركات بالمنافسة والاستثمار والحفاظ على الكفاءات اللبنانية في هذا القطاع»، مستدركة أنه « في لبنان، حيث الانهيارات متتالية، من الافضل تخفيض الضرائب في هذا القطاع لجذب الاستثمارات لتحويل لبنان الى بيئة حاضنة لها، لكن للاسف منذ سنوات طويلة ليس هناك اعادة نظر للنظام الضريبي كي يحمي ويوجه الاقتصاد، بل هناك استسهال في تحصيل الضرائب لتمويل الخزانة العامة من دون رؤية لتعزيز القطاعات المنتجة ومنها القطاع الرقمي».
تحديد الأولويات
ورأت أيوب أنه «يجب تحديد الاولويات ودرس السيناريوات البديلة لتحفيز الشركات على الاستثمار في الاقتصاد الرقمي وكيفية فرض الضرائب. في لبنان ما زلنا بعيدين عن ان يكون الاقتصاد الرقمي بديلاً عن الاقتصاد التقليدي، والدليل ان الحكومة لجأت الى مصرف لبنان لمعرفة كم حصلت الحكومة ايرادات في العام 2023، لأنه لا وجود للمكننة في وزارة المالية وبسبب غياب العنصر البشري الكافي للقيام بهذه المهمة».
وختمت: «الكلام عن تفعيل الاقتصاد الرقمي في لبنان، من دون تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتنفيذ اصلاح اداري في الدولة أمر غير ممكن. ولذلك يجب خلق بيئة تشريعية وبنى تحتية مواكبة للتحول الرقمي في الاقتصاد».
مصارف تستر وتتستّر
ثم تحدّثت الكك، عن»إعادة تعريف القطاع المصرفي في لبنان»، فأكّدت «أنّ الجانب المشرق للأزمة الحالية قد يكون في أنها كشفت النقاب، وعلى مرأى العالم أجمع، عن الاختلالات العميقة في النظامين المالي والمصرفي في لبنان. هذا النظام الذي قضى مئويته الأولى «يستر ويتستر» رافعاً راية السرية المصرفية… عقيدة وطنية، غارقاً بشعار حيادٍ وهمي… أحيا على مدى قرن طوائف منغمسة إقليمياً حتى النهم وكيانات سياسية تابعة دولياً حدّ الذوبان. «ورأت أنّ «تجسيد الاتجاهات المستقبلية لهذا القطاع يعتمد على الإجراءات التي ستتخذ لتذليل التشوهات المزمنة التي يعاني منها».
لا اعتراف
وقدمت الكك نبذة سريعة «عن الصعوبات الأساسية التي تواجه تطوير قطاع مصرفي مستدام مع العلم أن الأدلّة تتزايد يوماً بعد يوم على أن المنظومة المصرفية لم تعترف حتى تاريخه بعواقب ممارساتها وانحرافاتها التي أدت بنا إلى ما أدت إليه.» فاعتبرت أن «تشوّهات القطاع المصرفي اللبناني تكمن في انهيار النظام الحالي، وتبديد الثروة الوطنية، وفقدان الميزة التنافسية. ولأن طريقة العمل المألوفة لم تعد خياراً ممكناً، فإن قطاع المصارف في لبنان على مفترق طرق تاريخي ولا بّد من تغيير مساره. لذلك نحن بأمس الحاجة إلى بوصلة جديدة ما يعني اعتماد مقاييس الأهلية الكمية والكفاءة النوعية بمعايير دولية معتمدة ومصدقة وليس مظاهر التضليل المتعمد مثل مقياس حجم الودائع الذي هو مقياس سيّئ لمتانة القطاع المصرفي، وإلى مؤسسات مصرفية بنسخة معدّلة لأنّ المؤسسات المصرفية التي تقوم على تعظيم الربح غير المشروع أو الربح المفرط الممزوج بمخاطر غير مسبوقة هي مؤسسات دون المستوى الأمثل لقطاع مصرفي مزدهر، وإلى نموذج نموّ جديد مستقر لا يلتحق بالمخاطر السيادية بل يستقل عنها، ومزدهر لا يعتمد على رافعة مالية هشة، ومنصف لا يتسبب في تعميق الفوارق الاجتماعية».
وعن التحديات الخارجية المؤثرة في مستقبل القطاع المالي في لبنان فقد لخّصتها الكك «بالتغير المناخي والتكنولوجيا المالية والضغط الاجتماعي. وفي ظل فجوة الاستثمار في الطاقة النظيفة يسعى الاهتمام الدولي وبالإجماع الى ضرورة العمل للاستثمار في إنتاج الطاقة المتجددة وتخزينها نقلاً وتحسين كفاءتها من خلال رفع مستويات التمويل في هذا الاتجاه».
الحكيم: وضعنا «الرقمي» جيد
وشدّد جهاد الحكيم في مداخلته على أن «وضعنا في لبنان جيّد في ما يتعلق بموضوع الاقتصاد الرقمي بفضل الجيل الشابّ، فقد لعب الشبان اللبنانيون من خلال الاقتصاد الرقمي دور الرافعة للاقتصاد الوطني، سواء من خلال التحويلات المالية أم من خلال إرسال أعمال إلى لبنان. فلدى لبنان الكثير من الكفاءات بالاقتصاد المعرفي، والرواتب هي معقولة وجيدة بالنسبة للمقيمين في لبنان، وبالمقابل هي مقبولة بالنسبة للشركات المشغلة». وأمل في «أن يصبح لبنان محوراً رقميّاً، لكنه للأسف يسير بالعكس بسبب توسع الاقتصاد النقدي. لذا نحن بحاجة لوضع إستراتيجية للتحول الرقمي مترافقة مع الحكومة الإلكترونية».