اقر مجلس النواب قانون موازنة العام 2024، خلافا لما كان ينتظره اللبنانيون الذين كانوا يتأملون ان تراعي السلطة الحاكمة الأوضاع الاقتصادية المزرية السائدة في البلد منذ نحو 4 سنوات، وكان الرئيس نبيه بري قد وقع مشروع الموازنة واحاله الى مقام رئاسة مجلس الوزراء، بانتظار توقيع مرسومها في الحكومة في أول جلسة تعقدها.
في موازاة ذلك، ووفقا للخبراء الاقتصاديين، فان موازنة 2024 تكاد تخلو من الحسنات والايجابيات، كونها تتضمن الكثير من الثغرات، وتنفصل كليا عن المواد الإصلاحية الجذرية، وتفتقد المشاريع الإنمائية، لا سيما على المستوى الصناعي وحتى على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، لذلك لم تتضمن التصحيحات الضريبية.
الى جانب ذلك، يجمع المراقبون على ان هذه الموازنة بلا رؤية اقتصادية، ولم تضع آلية محكمة لـ “تجليس” الأوضاع النقدية، ووضع حدّ للتدهور والانهيار الحاصلين منذ العام 2019، في ظل شلل الادارات الرسمية والشغور الرئاسي المستمر منذ تشرين الأول 2022. وما زاد الطين بلّة، هو احتدام المواجهات العسكرية في المناطق الحدودية الجنوبية والتهديدات “الإسرائيلية” بتوسيع رقعة الحرب.
أين الموازنة من الدين العام الذي تجاوز 100 مليار دولار!
على صعيد متصل، يشير خبراء في مجال الاقتصاد الى ان “الموازنة لم تلحظ كيفية معالجة الدين العام وإعادة هيكلته، وهو يتخطى 100 مليار دولار من خلال تنفيذ الخطط الإنمائية والاصلاحية. وركزت الموازنة على تعزيز العوائد من الغرامات غير المباشرة، التي تضاعفت عشرات الاضعاف بالعملة الوطنية، لتتماشى مع سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وطالت الضرائب اغلبية المعاملات الحياتية ومختلف ضرائب الاستهلاك والخدمات العامة. فوق ذلك، فرضت غرامات استثنائية بنسبة 17% على المستفيدين من منصة “صيرفة” من غير الافراد، إضافة الى فرض ضريبة على إيرادات رؤوس الأموال. ومن بين التعديلات الضريبية فرض غرامات إضافية على المنتجات الكحولية المصنعة محليّا.
القطاع الصناعي بخطر!
وفي الإطار، رأى صناعيون ان زمرة الضرائب والغرامات الجديدة التي حملتها موازنة 2024 ، تشكل صفعة قاسية للقطاع الصناعي، خاصة وان شركات محلية باتت تصدر مصنوعات ذات جودة عالية الى الأسواق الخارجية.
ويساهم القطاع الصناعي بحوالي 7.5 % من الناتج القومي، ويعمل في هذا المجال حوالي 140 ألف عامل، أي ما يعادل 25% من اليد العاملة المحلية، ويضم أكثر من 15 قطاعا فرعيا مثل: قطاع الصناعات الغذائية والمشروبات الذي يساهم بالجزء الأكبر من ناتج القطاع الصناعي بمعدل (26%)، يليه قطاع المعادن والمنتجات الحديدية. ويصدّر لبنان الى كل من تركيا والمملكة العربية السعودية وإيطاليا وسوريا ومعظم الدول العربية. إشارة الى ان الصادرات الصناعية اللبنانية سجلت في العام 2016 2.79 مليار دولار أميركي.
الاقتصاد سلسلة واحدة متماسكة!
بالموازاة، قال نائب رئيس “جمعية الصناعيين” زياد بكداش لـ “الديار”: “ان الاقتصاد هو عبارة عن سلسلة واحدة متماسكة، فلا يمكن ضرب قطاع على حساب آخر على النحو الذي كانت عليه السياسات السابقة، وعندما نقول الدول الكبرى فنعني البلدان الصناعية العظمى”. وأشار الى “ان الصناعة هي القطاع الوحيد الذي يمكنه التأقلم بوجود صدمات سياسية وامنية كما هو الحال في لبنان. اليوم نحن بعصر الصناعة، وبعد جائحة كورونا تدنى سعر العملة جراء الوضع الاقتصادي، لكن الصناعة استعادت عافيتها خلال فترة وجيزة، وفتُحت مصانع جديدة، وتم انشاء عدة خطوط مبتكرة بالإضافة الى أصناف لم تكن تصنع سابقا”.
أضاف “كل ذلك أدى الى مضاعفة التصدير وزيادة حصة الصناعة اللبنانية في السوق المحلي، وأصبحت كلفة الصناعة متدنية مقارنة بما كانت عليه سابقا. هذه العوامل مجتمعة أدت الى زيادة التصدير وارتفاع أسهم الصناعة اللبنانية في الأسواق الداخلية وانخفاض النفقات”.
ولفت الى “ان بعض المصانع الأجنبية بدأت بتصنيع منتوجاتها في المصانع اللبنانية، وأصبحنا نرى كل يوم مصنع جديد او منتج مميز او خطوط عصرية في اغلبية القطاعات العامة والمنتوجات الغذائية خاصة”.
مواصفات المنتجات اللبنانية تنافس الأجنبية
وأكد بكداش “ان معايير الصناعة المحلية مطابقة للمواصفات العالمية، وتضاهي بسعرها ونوعيتها تلك المستوردة، فالبضاعة الوطنية المصنوعة في لبنان تباع بأسعار اقل من السلع المستوردة بنسبة تتراوح من 15 الى 30%”.
الموازنة تُعقّد الحلول
واوضح “ان العقبة اليوم هي في الموازنة ، ونحن لسنا ضد الضرائب ولكن الموازنة تضمنت رسوما وغرامات كثيرة وجديدة، والمشكلة الكبرى هي في انعدام المراقبة ووضع حد للتهريب. فالاقتصاد غير الشرعي ينمو منذ العام 2016 بشكل مخيف، وفي العام 2019 بلغ 60%، اما في العام 2020 و2021 و2022 كانت المزاحمة متساوية بين مختلف القطاعات والمصانع، لان الدولار كان لا يزال على سعر صرف 1500. اما اليوم وبعد ان أصبح الدولار على سعر صرف 89500 ألف ليرة إضافة الى الضرائب الجديدة، نجد صعوبة بالمنافسة في الأسواق لان الاقتصاد غير الشرعي يشكل أكثر من 60% ، وهذه هي الكارثة الأساسية التي تواجه الصناعة. ولو كانت تدفع المؤسسات الصناعية والمصانع والافراد الضرائب والـ (TVA) ، لكان الجميع متساوين في الحقوق والواجبات”.
الكلفة الى ارتفاع والاسعار
وأكد بكداش ” ارتفاع التكاليف بسبب أزمة البحر الأحمر، والذي يعني ان الأسعار ستزيد على المستهلك لان نسبة لا بأس بها من المواد الأولية تأتي عن طريق البحر الأحمر، وحاليا باتت تستغرق وقتا أطول حتى تصل الى لبنان. بالإضافة الى ارتفاع كلفة الشحن والاهم من كل ما ذكرته سابقا، هو ان البضاعة التي نستوردها هي مواد أولية تخضع أيضا للتأمين ضد الحرب، وهذه التعرفة تضخمت أيضا”.
أضاف: “اما بالنسبة للسلع التي لا تأتي من بلدان الـ “FAR EAST” فالأسعار تبقى مقبولة، ولكن يجب إضافة التأمين الذي فرضته شركات التأمين نتيجة الحرب الدائرة في غزّة ولبنان”.
وقال: “لقد خسرنا سوق منطقة الجنوب بسبب الأوضاع الأمنية في مناطق الشريط، والذي كان يحقق أرقاما لا بأس بها، بالإضافة الى انكماش بعض الأسواق وكساد البضائع الخاضعة لضريبة القيمة المضافة، والتي لا تحقق الأرباح للمصانع والمؤسسات، اما البضائع المطلوبة فهي الاستهلاكية والضرورية، لكن نسبة الأرباح منعدمة ايضاً”.