منحت المنافسة الصحية مع السعودية الإمارات الفرصة لتحقيق التفوق في المنطقة في سباق جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الماضي (2022).
ودفعت الضغوط التي مارستها السعودية لنقل مقرات شركاتها الكبرى من دبي وأبوظبي إلى الرياض الإمارات إلى تقديم تسهيلات أكبر للمستثمرين مما انعكس بشكل أفضل على تدفق الاستثمارات وهو ما يجعلها تحقق رقما قياسيا في عام 2022 بلغ 23 مليار دولار.
ويقول مراقبون إن السعودية وضعت ضغوطا على الشركات الكبرى لكي تنتقل وتصبح هي مركز الاستثمارات، لكن النتيجة جاءت مختلفة عما توقعته الرياض بأن زادت الاستثمارات الذاهبة إلى الإمارات والتي بلغت 23 مليار دولار مقابل 7 مليارات للسعودية.
وبحسب هؤلاء المراقبين فإن السعودية، التي شرعت منذ سنتين في تقديم تسهيلات للمستثمرين الأجانب ضمن رؤية المملكة 2030، تسارع الخطى من قبل أن تتوفر البنيات التحتية التي ترافق التحول إلى مركز إقليمي.
ولم تستحوذ الإمارات على موقع الريادة في الاستثمارات العالمية الواردة إلى المنطقة فحسب، ولكنها أصبحت رابع أكبر متلق لاستثمارات المشاريع الجديدة في العالم بإجمالي 997 مشروعاً وذلك بعد الولايات المتحدة وبريطانيا والهند مسجلة ارتفاعاً بمعدل 80 في المئة في المشاريع الجديدة مقارنة بالعام الذي سبقه.
ويضع هذا الرقم القياسي الإمارات في المرتبة الـ16 في التصنيف العالمي لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، بعدما ارتقت ستة مراكز مقارنة بعام 2021. كما حافظت الإمارات على مكانتها الإقليمية باعتبارها الوجهة الأكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي المباشر في دول مجلس التعاون الخليجي بحصة بلغت 61 في المئة من إجمالي تدفقات الاستثمارات العالمية للمنطقة في عام 2022.
وفي المقابل، تفتح السعودية فرصا استثمارية أمام الشركات الأجنبية في مشاريع عمرانية وصناعية كبرى، ويمكن أن تحقق نموا مطردا بحسب تقدم التشريعات وتوفر منظومة الخدمات المصرفية واللوجستية والثقافية التي تشكل قاعدة لجذب الأموال الأجنبية.
ويقول مراقبون إن هناك منظومة كاملة من الأسباب تقف وراء قدرة الإمارات على الاستقطاب، فهي تقدم الكثير من الحوافز للمستثمرين وتدعم ريادة الأعمال، وتزيل العوائق أمام التدفق الحر لرؤوس الأموال، وتسمح للمستثمرين بالتملك الكامل للشركات، ولا تشترط وجود “وكيل” للشركة أو فروعها، بالإضافة إلى وجود 40 منطقة حرة تجري فيها ممارسة كافة الأنشطة الاقتصادية في قطاعات التجارة والصناعة والزراعة والخدمات والتعليم والصحة والإنشاءات.
ولا تشترط الإمارات حدّا أدنى لرأس المال للشركات ذات المسؤولية المحدودة، مما يسهّل على المستثمرين إقامة الشركات وتأسيس الأعمال، وهو ما يمنح المستثمرين مرونة أكبر في التخطيط لمشروعاتهم.
وباستثناء شركات النفط وفروع البنوك الأجنبية فإن ضرائب الدخل لا تتجاوز 9 في المئة على الأرباح التي تزيد عن 100 ألف دولار، وهي من بين الأدنى في العالم. وتسمح القوانين بتحويل لكامل أرباح الشركات. هذا إلى جانب أن الإمارات تعد حاضنة للكفاءات والعمالة الماهرة ورأس المال البشري من أصحاب المواهب في القطاعات الحيوية والاقتصادية المهمة، لما تتمتع به من سياسات عمالية مرنة وسهولة في جلب العمالة الأجنبية.
ويشكل استقطاب الكفاءات عاملا مؤثرا على نمو الاستثمارات. وهي لا تقتصر على الكفاءات الفنية أو العلمية أو الإدارية، ولكنها تشمل بالنسبة إلى الإمارات مختلف المواهب الإبداعية الأخرى. وتحتل إمارة دبي، في هذا المجال، مكانة مرموقة كعاصمة عالمية للاقتصاد الإبداعي، وهو ما وفر لها أن تستقطب 451 مشروعاً جديداً خلال 2022 في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية، بزيادة نسبتها 107 في المئة مقارنة مع عام 2021، متقدمةً بذلك على مدن عالمية كبرى مثل لندن وسنغافورة وباريس وبرلين، لتصبح الأولى عالمياً ضمن هذا المؤشر.
وتصدرت الإمارات دول العالم في 186 مؤشراً، وكانت الأولى عربيا في مؤشرات التنافسية للعام 2023. ويعزو مساعد وزير شؤون مجلس الوزراء للتنافسية والتبادل المعرفي رئيس مجلس الإمارات للتنافسية عبدالله ناصر لوتاه ذلك إلى “التحسينات التشريعية والمبادرات الاستباقية التي تدعم المنظومة الاقتصادية والاستثمار في الإنسان، وسيادة القانون، وتوظيف التكنولوجيا والبيانات لتعزيز تنافسية دولة الإمارات وجاذبيتها”.
ويقول الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير الدولة للتجارة الخارجية “إن الأرقام القياسية التي حققتها الإمارات في تقرير الاستثمار العالمي لهذا العام تترجم مدى النجاح الذي حققته الإمارات بفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة وحرصها على تحويل الدولة إلى مركز دولي للأعمال ووجهة عالمية مفضلة تلتقي وتمتزج فيها الأفكار الخلاقة مع رؤوس الأموال والاستثمارات من مختلف دول العالم”.