الإمبراطور الذي اشترى عرش روما بالمزاد!

ظهر الحرس البريتوري (Praetorian Guard) بروما منذ العهد الجمهوري حيث أوكلت إليه مهام تشكيل فرق صغيرة لمرافقة وحراسة عدد من كبار الشخصيات وأعضاء مجلس الشيوخ وكبار قادة الجيش وحكام المقاطعات. وإلى حين زوال الجمهورية وقيام الإمبراطورية سنة 27 قبل الميلاد، حظي الحرس البريتوري بدور ثانوي بروما. لكن مع صعود أغسطس قيصر (Augustus Caesar) الذي شغل منصب أول إمبراطور، تغير وضع الحرس البريتوري الذي حصل خلال فترة وجيزة على مهام أعلى شأنا وتحوّل عناصره للحراس الشخصيين للإمبراطور.

وخلال القرون الثلاثة التالية، تعاظم دور الحرس البريتوري فإضافة لمهمة حراسة الإمبراطور شغل أفراده مهام الشرطة السرية وحاكوا المؤامرات بالبلاد ونهبوا الممتلكات وتكفلوا بتنفيذ أحكام الإعدام، فضلا عن ذلك امتد تأثير الحرس البريتوري ليشمل أهم سلطة بالبلاد فصار يعمد لقتل الأباطرة لتنصيب آخرين بدلاً منهم بما يخدم مصالحهم.

تمثال لأغسطس قيصر

سنة 177، تولى كومودوس (Commodus) زمام الأمور بالإمبراطورية الرومانية خلفاً لوالده ماركوس أوريليوس. وأثناء فترة حكمه التي استمرت قرابة 15 عاماً، عرفت روما هدوءاً حيث قلّت الحروب مقارنة بعهد والده وبدلاً من ذلك عاشت الإمبراطورية على وقع العديد من المؤامرات التي سرعان ما دفعت بكومودوس لممارسة سلطة دكتاتورية بالبلاد.

أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 192، نظّم كوينتيوس أيمليوس ليتوس (Quintus Aemilius Laetus)، قائد الحرس البريتوري، مؤامرة رفقة عدد من مسؤولي القصر أدت لاغتيال الإمبراطور كومودوس وتنصيب القائد العسكري برتيناكس (Pertinax) بدلا منه، حيث وعد الأخير حينها بتقديم مكافآت مالية مقدرة بنحو 3000 دينار (جمع ديناريوس والتي كانت العملة الفضية لروما) لأفراد الحرس البريتوري حال اعتلائه للعرش.

تمثال نصفي لسيبتيموس سيفيروس

في الأثناء، خابت آمال الحرس البريتوري في الحصول على المكافآت حيث تنكر الإمبراطور الجديد لوعوده السابقة خلال فترة حساسة من تاريخ البلاد وبدلا من ذلك اتجه الأخير لإدخال إصلاحات عسكرية على نظام الحرس البريتوري. وأمام هذا الوضع، اجتاح ما يزيد عن 200 عنصر من عناصر هذه القوات القصر الإمبراطوري يوم 28 آذار/مارس 193 وأقدموا على قتل الإمبراطور برتيناكس والذي حكم البلاد لأقل من 3 أشهر.مع شغور منصب الإمبراطور عقب اغتيال برتيناكس، عرضت قوات الحرس البريتوري عرش الإمبراطورية الرومانية بمزاد علني بالبلاد واعدة بجعل من يدفع أكثر إمبراطورا.

وخلال هذا المزاد، قدّم السياسي الشهير ديديوس جوليانوس (Didius Julianus) مبلغا هائلا تفوق من خلاله على بقية منافسيه وحصل بموجبه على عرش روما ونصّب إمبراطورا خلفا لبرتيناكس.

رسم تخيلي لعدد من أفراد الحرس البريتوري

في غضون ذلك، أثارت هذه الحادثة غضب الأهالي وجعلت من ديديوس جوليانوس إمبراطورا مكروها بروما وأينما حلّ استقبله السكان بصيحات الاستهجان ونعتوه بالسارق والقاتل، وخلال إحدى المرات اتجه البعض لمنعه من العبور نحو هضبة كابيتولين وسدّوا الطريق أمامه بالحجارة.

مع انتشار خبر فضيحة عرض عرش روما بالمزاد، تمرّد 3 من كبار قادة الجيش وأعلنوا أنفسهم أباطرة على البلاد. وقد كان من ضمن هؤلاء الجنرالات سيبتيموس سيفيروس (Septimius Severus) الذي زحف بجيشه على العاصمة روما لإنهاء عهد ديديوس جوليانوس.
ويوم 1 حزيران/يونيو 193، عرف ديديوس جوليانوس نهاية شبيهة بالأباطرة الذين سبقوه حيث اغتيل الأخير بعد مضي نحو 66 يوماً على استلامه للعرش على يد أحد الجنود بالقصر، وقد كانت آخر كلماته “ما الشر الذي اقترفته؟ ومن قتلت؟”.

المادة السابقةهل تلعب الصين أوراقها الأخيرة لتقليم أظافر ترامب؟
المقالة القادمةباسيل عن الفرحين بتعطيل الكهرباء: لن نأخذ موقف المتفرج!