الإنترنت غير الشرعي: ديوان المحاسبة يُسقط التشريع للمخالفين

رسب المشروع الذي اقترحته وزارة الإتصالات لتنظيم ملف الإنترنت غير الشرعي، في امتحان الرقابة المسبقة. فقد رفضه ديوان المحاسبة في قرار صدر عن غرفته الثانية برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر وعضوية المستشارين جوزف الكسرواني ومحمد الحاج منتصف الأسبوع الماضي، بعدما تمسك القرار بالمبادئ العامة والقوانين في “ضبط جميع الشبكات المنشأة خلافًا للقانون، بما يعزز حضور الدولة على كامل أراضيها، ويساوي بين المواطنين وبالتالي يرفد الخزينة بالإيرادات المالية التي تخسرها نتيجة لعدم ضبط تلك الشبكات“.

جاء قرار الديوان بعد أشهر على مذاكرته لمشروع عقد بالتراضي تقدمت به وزارة الاتصالات “لتنظيم أعمال صيانة شبكات الإنترنت المضبوطة والمنشأة من دون تراخيص” في 29 أيار الماضي، ووسط ظروف صعبة فرضتها الحرب التي لم تعف الديوان من إنذاراتها الزائفة.

تضمن مشروع العقد المقترح مع هيئة أوجيرو لتكليفها مهام تنظيم عقود تنظيمية مع “ديوك الأحياء”. وقد وضعت وزارة الاتصالات هذا المشروع وفقاً لما تبينه قراءة قرار الديوان الذي حصلت عليه “المدن” بعد إخفاق دام نحو عامين في تطبيق المرسوم 9458 الذي يضع أطر تنظيم قطاع الإنترنت، وعلى إثر رصد مبلغ بقيمة 300 مليار ليرة من ضمن موازنة سنة 2024 لتغطية نفقة هذا المشروع.

لجأت وزارة الإتصالات إلى مثل هذا العقد وفقاً لإجابتها على استفسارات ديوان المحاسبة المدرجة ضمن قراره “التزاماً بالإطار القانوني والعملاني لأحكام المادة 16 من المرسوم رقم 9458، بعدما اتخذت الإجراءات اللازمة لضبط الشبكات المنشأة خلافاً للقانون، طالبة من مزودي خدمات الانترنت ISPs تزويد وزارة الاتصالات بتصاريح تتضمن لوائح بأسماء منشئي الشبكات”. إلا أن ما تبيّن للديوان أن الوزارة لم تنجح فعلياً سوى بتكوين 106 ملفات لهذه الشبكات، من بين حوالي 638 شبكة وردت في جدول مرفق بإجابة الوزارة على الديوان. وقد أعادت الوزارة ذلك “إلى تعذر استكمال عملية الضبط والإدارة عملياً وقانونياً بغياب عقود الصيانة.”

تطبيع مع اللادولة
لم يوافق الديوان على المقترح من الوزارة بجعل عقد الصيانة سابق لضبط المخالفة، “لكونه يؤدي عمليًا إلى قلب التصور الذي نص عليه المرسوم المذكور”، ولذلك قرر “أن لا عقد صيانة جائز من دون ضبط المخالفات أولاً” وإلا كما جاء في قراره “تكون وزارة الإتصالات في حالة تخلي عن سلطتها ومسؤوليتها بضبط المخلفات وإحالتها إلى القضاء”، علماً أن عدم إحالة الشبكات المضبوطة على القضاء وفقاً للديوان “يحمل عناصر تأبيد المخالفة واستمراريتها، ويُحَوِّل الأحكام الواردة في المرسوم رقم 9458/2022 بخصوص الشبكات المخالفة، من أحكام تضع خريطة طريق لإرساء الشرعية في هذا المجال إلى أحكام تضع خريطة طريق للتطبيع مع اللادولة واللاشرعية ومع الخارجين عن القانون”.

هذا في وقت توقف قيه الديوان عند خلو العقد المقترح من أي ربط بين المبلغ المزمع دفعه وعدد الشبكات المخالفة التي ستتعاقد معها هيئة أوجيرو او عدد المشاركين فيها، او من اي توضيح لكيفية الوصول إلى تحديد قيمة العقد الذي سيغطيه مبلغ 300 مليار ليرة المزمع تسديده للهيئة. وهذا ما اعتبر قرار الديوان “يشكل خروجًا عن القواعد العلمية والمنطقية والموضوعية ذات الصلة بالإدارة الرشيدة للمال العام وبكيفية إدارته واستعماله”. علماً أنه وفقاً لإستيضاحات الديوان “ستدفع أوجيرو كلفة عقود وأعمال الصيانة من أصل قيمة الاعتماد الملحوظ في العقد، ويجري التحاسب بينها وبين وزارة الاتصالات عن كل عقد صيانة لاحقاً”، أي أن تعاقد الوزارة هو مع هيئة اوجيرو بهدف تكليفها إجراء التعاقد مع أصحاب الشبكات، من دون إلزامها بمهلة لإنجاز ذلك. وهذا ما رأى الديوان “أنه يشكل تخلي من وزارة الاتصالات عن صلاحياتها لهيئة أخرى خلافًا للقانون، وهو ما يرشح عن مخاطر بالنظر إلى اختلاف أنظمة الرقابة بين الوزارة والهيئات المختلفة”.

مخالفة المهل
في المقابل، توقف قرار الديوان عند عدم التزام وزارة الإتصالات بالمهل التي حددتها لنفسها بالمرسوم 9458 نفسه الذي أجاز لأصحاب الشبكات غير المرخصة الاستمرار بإستخدامها واستثمارها لثلاث سنوات ونصف كحد أقصى، ولكن بشرط أن يحترم وزير الاتصالات الأجل المفروض عليه لضبط هذه الشبكات والتعاقد مع أصحابها قبل نهاية العام 2022، أي في مهلة لا تتجاوز الستة أشهر، الأمر الذي لم يتم الإلتزام به.

وأورد الديوان في المقابل تبرير وزير الاتصالات لهذا التأخر، الذي ربطه بعدم وجود خرائط ومعطيات دقيقة حول شبكات الانترنت المنشأة من دون تراخيص، وتلكؤ هؤلاء في تكوين ملفاتهم. إلا ن الديوان رأى أن ما ذكر لا يعفي الملف من كونه قد ورد في خارج مهلة الستة أشهر التي أجاز المرسوم لوزير الاتصالات التعاقد خلالها مع أصحاب الشبكات المخالفة، معتبراً أن ذلك “يعكس عدم الجدية او التردد او الاستنسابية وازدواجية المعايير في معالجة مسألة الشبكات غير المرخصة”.

وانطلاقاً من كل ما ذكر حدد الديوان للإدارة خارطة طريق مختلفة للسير بهذا المشروع، فدعاها للمباشرة أولاً ومن دون إبطاء بضبط كل الشبكات المخالفة، بعد التأكد من عددها النهائي وأمكنة تواجدها. على أن تحيل تلك الشبكات إلى القضاء المختص. بمقابل اتخاذ الخطوات الضرورية الآيلة إلى تأمين استمرارية الخدمة للمواطنين في ظل الظروف الراهنة، وبالتوازي مع تكليف أصحاب تلك الشبكات بالرسوم والمبالغ المالية المحددة في المرسوم 9458/2022 والقرار التطبيقي ذات الصلة. وهذا ما رأى الديوان أنه يؤمن للخزينة موارد مالية إضافية هي بأمس الحاجة اليها اليوم، ويبسط رقابة الدولة وسلطتها على هذه الشبكات إلى حين تمكّن الوزارة من توسيع ومدّ شبكاتها على كامل الاراضي اللبنانية.

وفي حال عدم استجابة أصحاب الشركات المرخصة وأصحاب الشبكات غير المرخصة ذكّر الديوان بالاقتراحات الواردة في تقريره الخاص رقم 17/2021 تاريخ 11/11/2021 عن قطاع الاتصالات. فدعا وزارة الاتصالات إلى خفض سعات الانترنت التي تحصل عليها الشركات الخاصة، بما يتناسب مع اعداد المشتركين المصرح عنهم فقط. أو بتحديد الأعداد الحقيقية للمشتركين وإلزام الشركات الخاصة بالتصريح عنهم وفقًا لتقدير هيئة اوجيرو، التي أوصى الديوان أيضاً بإعطائها دورًا تشاركيًا، فاعلًا ومؤثرًا في عمليات صيانة الشبكات المنشأة خلافًا للقانون، على غرار دورها الأساسي والفاعل في صيانة شبكات ومنشآت ولوازم وزارة الاتصالات، بما يتيح لها أن تراكم الخبرات الفنية وتعزز مواردها المالية ويؤمن تطورها وحضورها واستمرارها.”

مصدرالمدن - لوسي بارسخيان
المادة السابقةالأسواق مدينة أشباح… تحارب من أجل البقاء
المقالة القادمةUNDP: مليارا دولار خسائر لبنان الاقتصادية