الإنهيار الإقتصاديّ… هــل هو الخطّة المنشودة؟

عند اندلاع الانتفاضة الشعبيّة، وبدلًا من أن تقرّ السلطة قانونًا عاجلًا يقرّ الحجز على الودائع (Capital Control)، تركت هذه السلطةُ الشعبَ والمؤسّسات يتخبّطان في الفوضى، كما لو كان ذلك مقصودًا عن سابق تصوّر وتصميم، لتحميل قسم كبير من الشعب اللبنانيّ وزر الخسائر الماليّة الناتجة من فساد فاضح وسياسات خاطئة ومُهمِلة لإدارة مقدّرات البلد وجنى عمر المواطنين على حدٍّ سواء.

نتيجة ذلك، وبعد سنة تقريبًا، جفّت تدفّقات النقد الأجنبيّ، وخرجت العملات الأجنبيّة من لبنان. لم يعد لدى البنوك ما يكفي منها لسداد مستحقّات المودعين الذين يقفون في طوابير خارج «أسوارها»، لذلك أغلقت المصارف أبوابها بكلّ بساطة. انهارت العملة اللبنانيّة، وانخفضت قيمتها من 1500 ل.ل للدولار الأميركيّ الواحد، إلى سعر الشارع الذي وصل إلى سقف 15000 ل.ل.

اليوم، نعرف جيّدًا أنّ خطّة Lazard قد نُسِفت، وكانت تهدف إلى اقتطاع 20 مليار دولار أميركيّ من الودائع، والتفاوض مع المودعين الكبار بتحويل ودائعهم إلى رأس مال للمصارف، وجعلهم من حملة الأسهم ومن المساهمين المميّزين في المصرف. إذًا، كان من شأن خطّة Lazard أن تنقذ جزءًا كبيرًا من شريحة صغار ومتوسّطي المودعين، الذين يشكّلون 98% من مجمل المودعين، وحمّلت الدولة العبء الأثقل على المودعين الكبار وأصحاب المصارف الذين يمتلكون 2% من إجمالي الودائع. وفي الوقت عينه، كنّا قد يسّرنا مفاوضات سليمة وبنّاءة على الدين العامّ ومساره بطريقة آمنة. ولكن عوضًا عن ذلك، ماذا نشاهد اليوم؟

ـ أولًا، إنّ غياب الحجز على الودائع لم يوقف تهريب ودائع العملات الأجنبيّة إلى الخارج، وقد قُدّرت بالمليارات، ممّا يضع ضغطًا إضافيًّا على انهيار الليرة اللبنانيّة، خصوصًا بعد شح «العملة الصعبة» وتهريبها إلى الخارج.

ـ ثانيًا، المغامرة «التضخميّة» بطبع كميّات هائلة من العملة المحليّة من أجل امتصاص الودائع بالدولار الأميركيّ بصرفها على سعر 3900 ل.ل. وتسديد استحقاقات سندات الخزينة بكافّة أنواعها.

كلّ هذا يساهم في تدهور العملة الوطنيّة ويُسقطها سقوطًا حرًّا، ممّا يجعل صغار ومتوسّطي المودعين يدفعون الثمن الأكبر للخسائر، فتُهشّم الطبقة المتوسّطة، ويوسّع هامش الفقر في البلد.

لربما هذا المشهد الّذي عرضناه سريعًا مقصودًا وليس مفاجئًا، هو بالفعل لخطّة جهنّميّة تستبدّ بالشعب اللبنانيّ وتتحكّم به، وتحكمه بطريقة مذلّة.

 

مصدرجريدة الجمهورية - بروفيسور ندى الملّاح البستانيّ
المادة السابقةتفاصيل مشروع قناة اسطنبول
المقالة القادمةأصحاب المطاعم… مياومون يشترون الوقت