الحصول على شقة للإيجار الشهري في مناطق سياحية عالمية كمدينة ليفربول البريطانية، أو ضمن أحياء باريس الفاخرة، أو في مدينة اسطنبول التركية بات أقل تكلفة من شقة في إحدى المناطق اللبنانية الآمنة، أو البعيدة عن إمكانية الاستهداف في حال تطور الحرب الإسرائيلية اللبنانية.
في ليفربول البريطانية، يمكن الحصول على شقة مفروشة بمواصفات مقبولة، بسعر 1700 دولار، في حين في العاصمة الفرنسية، تبدأ الأسعار من 1400 دولار للشقق الصغيرة. أما في اسطنبول فلا تتخطى الأسعار 700 دولار، حسب ما تظهره مواقع البحث عن الشقق للإيجار الشهري المؤقت.
بالمقابل، تصل الأسعار في لبنان وتحديداً في بعض مناطق الجبل إلى 1700 دولار من دون تسديد رسوم الكهرباء والماء وغيرها، وتتخطى 1900 دولار في حال شمولها هذه الرسوم، من دون احتساب أجرة المكتب العقاري.
دفعت الأجواء الضبابية المرافقة لإمكانية توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية فوق مناطق مختلفة من جنوب لبنان، وصولاً إلى منطقة الضاحية الجنوبية، إلى رفع مستوى الإيجارات في مناطق مختلفة من لبنان. وهو ما يجعل اللبنانيين أمام “بازار” أو “سوق مفتوحة على مصراعيها لاستغلال الأزمات”.
الأسعار مختلفة
في أحياء مختلفة من جبل لبنان، في عاليه، بحمدون وصوفر، التي تبعد ما يقارب من 30 كيلومتراً عن العاصمة بيروت، تبدّل المشهد منذ أيام، مقارنة مع بداية فصل الصيف: ازدحامات مرورية، إنارة الكثير من المنازل والشقق التي كانت شبه مهجورة أو مقفلة منذ أشهر.
يقول أبو علاء، سمسار في منطقة عاليه لـ”المدن”: “زاد الطلب منذ أيام بشكل لافت. أتلقى يومياً مئات الاتصالات للاستفسار عن الأسعار، والأماكن الشاغرة والخدمات المتوفرة”. وفق أبو علاء، ارتفاع الطلب يزيد حتماً من الأسعار، فهذه هي قوانين السوق. ويضيف “بات ملّاك الشقق يطلبون إيجارات مسبقة، تتراوح ما بين 3 إلى 4 أشهر، ويضعون تسعيرات مختلفة، تبدأ من 700 دولار ولا تتضمن وجود أثاث للشقة، في حين ترتفع الأسعار للشقق المفروشة. ووفق أبو علاء، فإن أسعار الشقق نفسها لم تكن تزيد عن 300 دولار قبل أشهر قليلة.
ويقول سمسار آخر فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن عشرات الطلبات يتلقاها يومياً في مكتبه الكائن في سن الفيل، غالبيتها تقوم على عرض شقق مفروشة للإيجار في مناطق مختلفة كالرابية والدكوانة وذوق مصبح وانطلياس. ولا تقل إيجارات الشقق المعروضة عن 1000 دولار شهرياً ومنها ما يصل إلى 1800 دولار، حسب المواصفات والامتيازات.
وفي مناطق مختلفة في المتن الجنوبي، بدأت الأسعار تشهد ارتفاعاً أيضاً. وهو ما تؤكده عائلة أحمد إدريس، الذي نزح من جنوب لبنان برفقة زوجته وأهله إلى منزل بجوار أقاربه. يقول لـ”المدن”: استأجرت شقة بسعر 500 دولار، لا تحتوي على أي أثاث، وقمت بنقل بعض الأدوات الأساسية من منزلنا في الجنوب. مضيفاً “طلب مالك الشقة إيجار شهرين مسبقاً، وبعد مفاوضات تنازل عن شهر واحد”.
في الجنوب أيضاً
على الرغم من غياب أي رقم رسمي دقيق حول عدد النازحين، لكن تقارير عديدة ترجح نزوح ما لا يقل عن 100 ألف لبناني من مناطق مختلفة من جنوب لبنان. البعض فضل النزوح إلى مناطق داخلية أكثر أماناً بالنسبة له، مثل مناطق ساحلية نسبياً كالمروانية، أو حتى مناطق كفرمان، وصولاً إلى بعض المناطق والقرى المحاذية لمدينة صيدا. فيما أخرون فضلوا النزوح باتجاه العاصمة أو المناطق المحيطة على غرار عرمون، خلدة، وبعض المناطق المحيطة.
اضطر علي إسماعيل من منطقة الخيام للنزوح، بعدما تعرض منزل عائلته إلى قصف إسرائيلي منذ شهر تقريباً، وهو ما دفعه إلى ترك القرية، والاتجاه إلى منطقة كفررمان. يقول علي إسماعيل لـ”المدن”: أضطرت لاستئجار شقة بسيطة، مكونة من غرفتين، بنحو 450 دولاراً شهرياً، في حين أن الأسعار في مناطق محاذية مثل كفرجوز، وغيرها، وصلت الأسعار إلى 600 و700 دولار”. ويسأل إسماعيل، كيف يمكن تأمين هذا المبلغ، في حين أن المواطن لا يستطيع تدبير قوته اليومي، بعد تعرض الأراضي والمؤسسات الصناعية الصغيرة في الجنوب إلى أضرار نتيجة القصف، عدا عن توقفها عن الإنتاج؟
وفيما نزحت عائلة مصطفى كركي بعد تعرض جزء من منزل العائلة للقصف، من منطقة كفركلا إلى منطقة عرمون بمحاذاة العاصمة. يقول كركي لـ”المدن”: “استأجرت شقة أرضية بسعر 600 دولار، بعد بحث طويل، إذ لا يوجد شقق فارغة أصلاً في المنطقة”. ويضيف “طلب الوكيل العقاري مبالغ فلكية، من ضمنها 600 دولار رسوم خاصة للمكتب، وتسديد شهرين مسبقاً لمالك الشقة”. وقد تمكّن كركي من تأمين المبلغ بمساعدة شقيقه الذي يعمل في الخارج، “وإلا لما كان من الممكن الحصول على مأوى للعائلة”.
تعتقد المحامية مايا جعارة بردويل، بأن غياب الأنظمة القانونية المرعية في هذا الصدد، تشكل سبباً رئيسياً للفوضى الحاصلة في سوق العقارات في لبنان، وتحديداً في ما يخص ارتفاع أسعار الإيجارات، والتي تخطت بحسب قولها حدود المقبول.
وتقول جعارة لـ”المدن”: “يستغل البعض ما يحصل في مناطق مختلفة من لبنان، وتعرض المنازل إلى قصف عشوائي، واضطرار السكان إلى النزوح، لرفع أسعار الإيجارات. في حين أن الأسعار مبالغ فيها بشكل كبير، ولا يمكن الاحتكام إلى نظرية العرض والطلب، بل يقتضي على المشرّع وضع بعض الضوابط الضرورية، خصوصاً وأن السكن ليس سلعة بل حق أساسي وإنساني، ومن صميم واجبات الدول والحكومات. وترك الأمور على ما هي عليه تفاقم من أزمة السكن”، بحسب جعارة.
وتلفت جعارة إلى أن هناك العديد من الشقق الفارغة. فنسبة الشغور مرتفعة في العاصمة، إلا أن بعض السماسرة وجدوا أن الظرف مناسب لزيادة أرباحهم “في حين أن الظرف الحالي هو للتضامن والمساندة وليس للاستغلال وجني الأرباح”.