الاستثمارات الإستراتيجية تقوي قدرات صناعة التكرير

لاحظ المحللون تحولا في صناعة التكرير رغم الظروف العالمية، حيث تقود الاستثمارات الإستراتيجية لشركات النفط الحكومية في الشرق الأوسط والصين والهند نموا قويا في الإنتاج لتغطية تنامي الطلب رغم تقلص أعمال المصافي الأوروبية والأميركية، نتيجة عوامل ضاغطة.

يواجه قطاع التكرير العالمي مفترق طرق، حيث تُعيد تغيرات الطلب الإقليمي، وتزايد ضغوط الاستدامة، وتصاعد المخاوف بشأن أمن الطاقة، تشكيل هذه الصناعة. وتُظهر أبحاث شركة ريستاد إنرجي أنه رغم قلة عدد المصافي، إلا أن طاقة التكرير الإجمالية نمت لمواكبة تزايد حجم النفط الذي يحتاج إلى معالجة، وفق ما أوردته منصة “أويل برايس” الأميركية.

وازدادت طاقة التكرير العالمية على مدى العقدين الماضيين بنحو 13.5 مليون برميل يوميًا، أي ما يقارب 15 في المئة رغم انخفاض العدد الإجمالي للمصافي، مدفوعًا بتوسع المصافي العملاقة المتكاملة الكبيرة، لاسيما في الشرق الأوسط وآسيا.

وبعدما بلغ العدد الإجمالي للمصافي ذروته في عام 2011، لكن القطاع شهد انخفاضًا مستمرًا في المنشآت منذ ذلك الحين، مدفوعًا بتقادم البنية التحتية، وتقلص هوامش الربح، وضعف الطلب على الوقود مع تقدم التحول إلى الكهرباء. والآن، تُسهم دول الشرق الأوسط والصين، إلى جانب الهند، في تعزيز نمو طاقة التكرير العالمية، حيث تُعدّ الهند والصين محركين رئيسيين لنمو الطاقة في آسيا.

وضاعفت الصين طاقتها التكريرية تقريبًا خلال عقدين، حيث ارتفعت من 10.6 مليون برميل يوميًا خلال 2005 إلى 18.8 مليون برميل يوميًا العام الماضي. ويعكس هذا التوسع جهودًا طويلة الأجل لتلبية الطلب المحلي المتزايد وتحسين أمن الطاقة، مع ترسيخ مكانة البلاد كمصدر رئيسي للمنتجات المكررة.

وعززت مصافي الشرق الأوسط طاقتها التكريرية خلال السنوات العشرين الماضية من حوالي 8 ملايين برميل يوميًا إلى 13 مليون برميل يوميًا، مع تركيز الإضافات الرئيسية في كل من السعودية ودولة الإمارات.

كما نمت طاقة التكرير في الهند بشكل مطرد، من 2.9 مليون برميل يوميًا في عام 2005 إلى ما يقرب من 5.2 مليون برميل يوميًا هذا العام، مدعومة بعوامل مماثلة، بما في ذلك الاستهلاك المحلي القوي والاستثمارات الإستراتيجية في البنية التحتية للتكرير.

ويقول محللو الصناعة إن هذا التوجه يعكس تحولًا إستراتيجيًا لتجاوز صادرات الخام عبر تحقيق قيمة أكبر من خلال التكامل النهائي. ويشمل ذلك تطوير مصافي معقدة وواسعة النطاق مصممة ليس فقط لتلبية الطلب المحلي المتزايد، ولكن أيضًا لتزويد أسواق التصدير الرئيسية في جميع أنحاء العالم بالمنتجات المكررة.

وتقود منطقة الشرق الأوسط وآسيا نمو التكرير العالمي عبر التركيز على مصافي عملاقة متكاملة وكبيرة الحجم تؤمن إمدادات الطاقة وتلبي الطلب المتزايد بسرعة. ويأتي ذلك في مقابل تراجع أوروبا والولايات المتحدة، مع إغلاق المصافي القديمة والأقل كفاءة بسبب ارتفاع التكاليف وعدم اليقين بشأن احتياجات الوقود المستقبلية.

وأثار هذا التحول موجةً من الترشيد، حيث تُغلق المصافي الأصغر والأقل مرونة، بينما تكتسب المرافق الأكبر والأكثر قدرة على التكيف زخمًا بفضل وفورات الحجم. وأصبحت جميع المشاريع الجديدة تقريبًا أكبر حجمًا وأكثر جدوى اقتصاديًا، لذا فرغم انخفاض عدد للمصافي، لا تزال طاقة التكرير الإجمالية تنمو بشكل ملحوظ.

وما يجعل معظم البلدان، التي كافحت مصافيها لتلبية الطلب العالمي على منتجات البنزين والديزل ووقود الطائرات منذ فبراير 2022 رغم الأسعار المرتفعة، هو أن ثمة منغصا مناخيا يدفع إلى التفكير بعمق في كيفية تنظيف هذا القطاع الحيوي تدريجيا.

وقال أرني سكجيفيلاند، نائب الرئيس أبحاث النفط والغاز في ريستاد إنيرجي إنه “مع تزايد تصميم مصافي التكرير اليوم لضمان تحكم أكبر في سلسلة القيمة وتلبية الطلب المتزايد بسرعة على الطاقة، تُظهر اتجاهات الانبعاثات انقسامًا.”

وأضاف “ظلت كثافة الانبعاثات في جميع أنحاء القطاع مستقرة نسبيًا، لكن الانبعاثات المطلقة تكشف عن انقسام إقليمي أكثر حدة.” وتابع “لقد شهدت آسيا، تليها الشرق الأوسط، ارتفاعًا حادًا في إجمالي انبعاثات المصافي، مدفوعًا بالنمو السريع في الطاقة الإنتاجية والإنتاجية.”

وتميل المصافي الأحدث والأكثر تعقيدًا في آسيا والشرق الأوسط إلى استهلاك المزيد من الطاقة من حيث التصميم، ولكنها غالبًا ما تحقق كفاءة كربونية أعلى لكل برميل بفضل التقنيات الحديثة والتكامل الأوثق.

طاقة التكرير منذ 2005 ولغاية 2024

18.8 مليون برميل يوميا إنتاج الصين من 10.6 مليون

13 مليون برميل يوميا إنتاج الشرق الأوسط من 8 ملايين

5.2 ملايين برميل يوميا إنتاج الهند من 2.9 مليون

وفي حين ظلت الانبعاثات في أميركا الشمالية وأوروبا ثابتة أو انخفضت، إلا أن هذا يتأثر إلى حد كبير بالتحديثات وإغلاق المصافي، على عكس المكاسب الكبيرة في كفاءة الكربون التي شهدتها آسيا والشرق الأوسط. ومع تشديد سياسات المناخ وارتفاع توقعات انخفاض الكربون، من المتوقع أن تتسع الفجوة بين المصافي الرائدة والمتأخرة، مما يُعيد تشكيل القدرة التنافسية ويُوجه قرارات الاستثمار المستقبلية في جميع أنحاء القطاع.

وبالنسبة للشركات التي تملك وتدير مصافي تكرير كبرى عالميًا، يبرز انقسام واضح بين الإستراتيجيات المتبعة في أوروبا وأميركا الشمالية وتلك المتبعة في آسيا والشرق الأوسط، لاسيما في كيفية إدارة الانبعاثات.

وركزت شركتا شيفرون الأميركية وتوتال إنيرجيز الفرنسية على الدمج والتحديث بدلًا من إضافة قدرات جديدة، والتكيف مع اللوائح التنظيمية الأكثر صرامة وتغيرات الطلب على الوقود. وتستثمر شيفرون 1.5 مليار دولار سنويًا في عمليات التطوير في مواقعها القديمة مثل باسكاجولا وباسادينا، مما يُحافظ على معدل استخدام مرتفع عند 86 في المئة رغم قدم أصولها.

ومن ناحية أخرى، تُهيئ توتال إنيرجيز نفسها لمستقبل منخفض الكربون، حيث تقود دمج تقنيات الوقود الحيوي المتقدمة في محفظة تكريرها. وفي خضم ذلك تتبع شركات النفط المملوكة للدولة في منطقة الخليج وآسيا مسارًا مختلفًا، حيث تتوسع بقوة لتحقيق تكامل أفضل في قطاع التكرير.

ووسّعت أرامكو السعودية نطاق أعمالها في قطاع التكرير من خلال استثمارات سنوية بمليارات الدولارات وتطوير مجمعات متطورة مثل جازان، وتأسيس مشاريع مشتركة تشمل ياسرف وساتورب.

وفي حين تعمل هذه المشاريع على تعزيز القدرة، فإنها تحمل أيضاً كثافة انبعاثات أعلى، حيث يبلغ متوسطها نحو 41 كيلوغراماً من مكافئ الكربون للبرميل، وهو ما يعكس معالجة الخام الأثقل ومتطلبات الطاقة للأنظمة الكبيرة والمتطورة.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةأكبر أسواق تجارة الذهب في مرمى رسوم ترامب
المقالة القادمةبيروت نموذج لمعاناة اللبنانيين مع الإجهاد المائي الحاد