الاسواق مجمدة الى ما بعد اقرار الموازنة والعجز الى ارتفاع

 

 

أخذ الإقتصاد اللبناني منحى ركوديا مع تجميد العديد من المُستثمرين لإستثماراتهم وتراجع السلوك الإستهلاكي للمواطن اللبناني. وهذا الأمر يُنذر بركود إقتصادي في العام 2019 في أحسن الأحوال (حتى لا نقول إنكماش) خصوصًا أن دراسة الموازنة تمتدّ من شهر نيسان حتى منتصف تموزّ أي ثلاثة أشهر ونصف، أصدر خلالها وزير المال علي حسن خليل مذكّرة إدارية لمراقبي عقد النفقات يطلب منهم فيها الإمتناع عن التأشير عن أي نفقة بإستثناء الأجور وملحقاتها والنقل. وهذا الأمر يعني بكل بساطة أن الإنفاق الحكومي من المفروض (أقلّه نظريًا) أن يكون قد إنخفض وهو الذي يُشكّل نسبة مهمة من الإنفاق الإجمالي.

الأسواق مُجمّدة بانتظار إطلاق الموازنة وكل قول مغاير هو تعتيم للحقيقة. الحقيقة المُرّة أن الأشهر الثلاثة الأولى من السنة ذهبت سدا، وثلاثة أشهر ونصف لدراسة الموازنة، أي ستّة أشهر ونصف تخلّلها خفض للاستهلاك والاستثمار وبالتالي فإن الناتج المحلّي الإجمالي سينخفض حكمًا في أخر العام. والأصعب أن وكالات التصنيف الائتماني تقرأ في التأخير في إقرار الموازنة والتعديلات التي تمّ القيام بها كمؤشّر على عدم احترام نسبة العجز المتوقّعة في مشروع موازنة العام 2019 الذي أحالته الحكومة إلى مجلس النواب.

لجنة المال والموازنة

إلتئمتّ البارحة لجنة المال والموازنة لإستكمال مناقشة مشروع موازنة العام 2019 وحضر الجلسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل ونائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي. وأتت زيارة الحريري لتُظهر خطوة تهدئة من قبل الحريري خصوصًا بعد تصريحه الناري الذي إنتقد فيه التباطؤ في دراسة الموازنة والتي كان وقعها على لجنة المال والموازنة كبيرًا بدليل الردود المُتعدّدة من قبل النواب والتي ذكرت بالحق الدستوري للجنة المال والموازنة والمجلس النيابي بدراسة الموازنة. ولاقت الزيارة ترحيبًا من قبل النواب الملتئمين الذي أثنوا على كلمة الحريري في بداية الجلسة حول الإجماع على الدور الرقابي لمجلس النواب على عمل الحكومة.

وكان لرئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان تصريحًا قال فيه أن عمل اللجنة هو عمل بنيوي يتخطّى الأرقام مُعلنًا إنتهاء دراسة مواد قانون الموازنة وأنه سيكون هناك جلّسة مُخصصّة للمواد التي تمّ تعليقها.

وكانت لجنة المال والموازنة قد شكّلت عدّة لجان صغيرة بهدف درس المواد المعلّقة بالتوازي وذلك بهدف التسريع في دراستها. وعلى رأس هذه البنود، البنود المُتعلّقة بالعسكريين، ورسم الـ 2% على كل السلع المستوردة.

الجدير ذكره أن بعض هذه المواد التي تمّ إقرارها تمّ تعديلها بشكل مُختلف كليًا عن الشكل الذي أقرّته الحكومة وبالتالي يرى البعض أن مُشاركة الرئيس الحريري نابعة بالدرجة الأولى من مخاوف لديه عن أن يكون العجز بعد عمل لجنة المال والموازنة أعلى من العجز في مشروع الموازنة الذي أرسلته الحكومة إلى المجلس النيابي.

المواد التي تمّ تعديلها عديدة ومنها المادة 89 المتعلّقة باجازة اعادة نقل القضاة المنقولين، حيث تمّ تعديلها بمنع النقل مع اعطاء مهلة شهرين للاختيار. أمّا المادة التسعون المُعلّقة بتحديد الحد الادنى لسنوات الخدمة للتقاعد بالنسبة للاسلاك العسكرية ولموظفي السلك الاداري فقدّ تمّ تعليقها بإنتظار الإستماع إلى رأي المعنيين وبالتحديد قيادة الجيش والإدارة العامّة. وتمّ إلغاء المادّة 91 المُتعلّقة بايدال وشروط الاستثمار في لبنان مع توجّه إلى إعادة طرحها في مشروع موازنة العام 2020. هذا الإلغاء آت من منطلق أنها تتعلق بدفع اشتراكات الضمان الاجتماعي من قبل مؤسسة إيدال وهذا الأمر يعني زيادة الإنفاق. وتمّ تعديل المادّة 93 المُتعلّقة بهدف الحفاظ على آلية التبليغ بالنسبة لموضوع السير كما وإلغاء المادّة المُتعلّقة بتوقيف وسجن من لم يبلّغوا من الحاصلين على ضبط سير. وأقرّت لجنة المال والموازنة أيضًا المادة 92 (الوكالات الدولية).

ويبقى الأبرز على الصعيد الإجتماعي اقرار تخفيض منح التعليم كما جاء في المادة 94 مع تخفيض سنوي بقيمة 15% حتى تُصبح مماثلة لمنح تعاونية الموظفين. وألغت اللجنة المادة 95 المُتعلّقة باجازة للتوظيف بالفائض بدون إستثناءات. كما أقرت المادة 96 المُتعلّقة بتخفيض التعويضات التقاعدية للنواب. أمّا في ما يخص المادة 97 المُتعلّقة ببيع المصادرات في المزاد العلني فقد تمّ إقرارها، وتمّ تشكيل لجنة لدراسة بيع اللوحات غير المباعة (المادّة 98).

وصرّح النائب كنعان أن جلسة المساء سيتمّ فيها البت بالإعتمادات مع كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، على ان يتمّ مُتابعتها مع كل الصناديق والهيئات التابعة لرئاسة الحكومة. وأضاف أنه سيكون هناك نهار الخميس جلسات قبل وبعد الظهر وجلسة مسائية نهار الجمّعة وجلسات قبل الظهر أيام السبت والأحد.

التصنيف الإئتماني

المعلومات تُشير إلى أن التعديلات التي قامت بها لجنة المال والموازنة على مشروع موازنة العام 2019 ستؤدّي إلى عجز أعلى من العجز المُتوقّع في مشروع موازنة العام 2019 المُرسل من قبل الحكومة إلى مجلس النواب. هذا الأمر أثار مخاوف الرئيس الحريري الذي تعمّد، بحسب المصادر، المشاركة في جلسة البارحة خصوصًا مع التقارير الواردة من وكالات التصنيف والتي تلقّت هذه التعديلات بشكل سلبي سيكون لها نتائج سلبية على صعيد تصنيف لبنان الإئتماني.

وكانت وكالة ستاندرد آند بورز قد توقّعت أن يكون عجز الموازنة بحدود العشرة بالمئة وبررت ذلك بالتأخير بإقرار الموازنة مع عوامل سياسية غير مؤاتية. أما وكالة فيتش للتصنيف الإئتماني فقد توقّعت عجزًا فعليًا بحدود التسعة بالمئة مستخدمة عامل الوقت كحجّة أساسية ولكن أيضًا بسبب التعديلات التي يتمّ العمل عليها.

وكنتيجة لكل هذا تُفيد المعلومات أن وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الإئتماني ستعمد إلى تخفيض تصنيف لبنان الإئتتماني من “B- مع نظرة مستقبلية سلبية” حاليًا إلى “CCC+ مع نظرة مستقبلية سلبية”. وهذا يعني أن إمكانية دخول الحكومة اللبنانية إلى أسواق السندات للإستدانة أصبح مُكلف جدًا مع إرتفاع ملحوظ لسعر الفائدة المطلوبة في الأسواق على سندات الدولة اللبنانية بالدولار الأميركي أي سندات اليورزبوندز.

والإشارة الأكثر سلبية التي تلقتها وكالات التصنيف الإئتماني والأسواق المالية هي الإتجاه الذي تأخذه لجنة المال والموازنة لتحميل مصرف لبنان جزءا من عجز الموازنة. حيث يعمد النواب المنتمين إلى تكلات وازنة في المجلس النيابي إلى الضغط بإتجاه الإقتراض من مصرف لبنان مبلغ 11 ألف مليار ليرة لبنانية بفائدة 1% مع العلم أن الفائدة الإسمية في السوق على الليرة اللبنانية هي 13.5% مما يعني تحميل مصرف لبنان مبلغ 912 مليون دولار أميركي. وإذا تمّ تخطي العجز المتوقّع في مشروع موازنة العام 2019 الذي أرسلته الحكومة إلى المجلس النيابي، فإن توجّه اللجنة هو أيضًا إلى تحميل مصرف لبنان الفارق والذي يجعل الكلفة الإجمالية على مصرف لبنان بحدود 2.3 مليار دولار أميركي.

هذا الأمر إعتبرته وكالات التصنيف الإئتماني تعدّيا على إستقلالية المصرف المركزي وبالتحديد المادّة 70 من قانون النقد والتسليف التي تنص على مهمة مصرف لبنان بالحفاظ على الإستقرار النقدي وليس تمويل الحكومة.

لكن ما لم تأخذ اللجنة في عين الإعتبار، أخذته وكالات التصنيف الإئتماني وهو التضخّم الناتج عن الإقتراض من مصرف لبنان بفائدة 1% حيث تعتبر الوكالات أن هذا الأمر سيخلق تضخمًا كبيرًا في الإقتصاد اللبناني في وقت يعيش فيه هذا الإقتصاد حالة من الركود. مما يعني أن الإقتصاد اللبناني سيدخل في حالة من التضخّم الركودي الذي سينتجّ عنه رفع الفوائد وبالتالي ضرب الإستثمارات في وقت أكثر ما يحتاجه الإقتصاد اللبناني هو الاستثمارات.

مرحلة إقتصادية صعبة

هذا الواقع دفع رئيس الحكومة إلى التصريح عن مخاوفه من تخفيض تصنيف لبنان الإئتتماني وما له من تداعيات على صعيد المالية العامة. وأبدى أيضًا مخاوف من الوضع الإقتصادي في المرحلة المُقبلة خصوصًا أن كل المؤشرات تُشير إلى إحتمال إنكماش الإقتصاد اللبناني. وإذا ما صحّت توقعات وكالات التصنيف الإئتماني فيما يخصّ التضخّم، من المُتوقّع أن يشهد لبنان في النصف الثاني من العام 2019 والنصف الأول من العام 2020 مرحلة قاسية جدًا.

هذا الأمر ليس بتخمينات بل نتاج مؤشرات فعلية يُمكن ذكر منها: خفض الإنفاق الحكومي، سياسة رفع المديونية للمصارف اللبنانية، التضخّم المُتوقّع، التأخر في إقرار الموازنة، تحميل مصرف لبنان قسم من عجز الموازنة وهذا سيكون له تدعيات على صعيد الإستقرار النقدي، فقدان ثقة المُستثمرين، وميزان المدفوعات الذي من المتوقّع أن يُسجّل عجزًا قياسيًا هذا العام.

لذا وباعتقادنا، إن إقرار الموازنة أصبح أكثر من ضروري اليوم قبل الغدّ، ويتوجّب على المعنيين وعلى رأسهم لجنة المال والموازنة التسريع في إقرار الموازنة ليكون إقرارها في الهيئة العامّة مطلع الأسبوع المُقبل تحت طائلة تحميل لبنان مفاعيل سلبية على الصعد المالية والإقتصادية والنقدية.

مصدرالديار
المادة السابقةموازنة 2019 تُضرب في بيت أبيها ! التهريب مستمر عبر 124 معبراً غير شرعي
المقالة القادمةبرِّي: لطرح الثقة بالوزير المُخالف