يشكِّل الاعتداء السيبراني أحد أشكال الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على لبنان. ومع وضوح أشكال هذا الاعتداء الذي يصيب مطار بيروت والاتصالات في مختلف المناطق، إلاّ أن ردع إسرائيل لم يحصل بعد، حتّى مع إثارة الملف على مستوى دولي في مجلس الأمن. ولا يبدو أن ملف الاعتداء السيبراني سيتّجه نحو الحل عن طريق الردع، ما يعني ترك المجال للخيارات الأخرى، وأبرزها الاعتماد على أجهزة أرضية تساعد في تفادي تأثيرات التشويش الإسرائيلي. ومع ذلك، لا مفرَّ من تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن لتكون سجلاً تاريخياً يعترض على انتهاك السيادة اللبنانية.
شكوى أمام مجلس الأمن
أثير ملف التشويش الإسرائيلي بشكل رسمي خلال جلسة مجلس الوزراء في 19 آذار الماضي، وحينها بيَّنَ وزير الأشغال العامة علي حمية أن مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يتعرَّض للتشويش الإسرائيلي، مؤكِّداً تكليف وزارة الخارجية بالادعاء على إسرائيل. خصوصاً وأن إثارة الملف أمام سفيرة الاتحاد الأوروبي ساندرا دو وال، خلال مشاركتها في مؤتمر تحت عنوان “دعم سلطات الطيران في لبنان في مجالي السلامة والأمن”، في مطار بيروت مطلع آذار، لم يؤتِ ثماره في تشكيل ضغط دولي ضد إسرائيل التي تقوم بالتشويش فوق منطقة البحر المتوسّط ككلّ، وقد وثّقت الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران EASA هذا التشويش واعتبرت أنه “يشكّل خطراً على جميع شركات النقل الجوي بما في ذلك الشركات الأوروبية”.
الاعتراض اللبناني تكلَّلَ بتقديم وزارة الخارجية شكوى أمام مجلس الأمن الدولي وأمام الأمين العام للأمم المتحدة عبر بعثتها الدائمة في نيويورك، اليوم الخميس 1 آب، طالبت بموجبها الدول الأعضاء في مجلس الأمن إدانة الاعتداءات الإسرائيلية السيبرانية على لبنان والتي تشكل خطراً جدياً على خدمات الطيران المدني فيه، وتهدد أمن وسلامة شبكات الاتصال والأجهزة والتطبيقات والبيانات الإلكترونية في المنشآت والمرافق الحيوية اللبنانية.
تسجيل موقف للتاريخ
الشكوى الرسمية استندت تقنياً على ملفّ أعدّته وزارة الاتصالات يكشف أن مصدر التشويش الإسرائيلي هو شمال فلسطين المحتلّة، ويؤدّي إلى تراجع دقة نظام تحديد المواقع العالمي GPS في لبنان والفقدان المتكرّر لإشارة الـGPS، كما يؤدّي إلى خلل في شبكة الهاتف الخليوي.
ومع ذلك، يطمئن وزير الاتصالات جوني قرم في حديث لـ”المدن”، إلى أن التشويش الإسرائيلي “لا يؤدّي إلى وقف الخدمات بشكل كامل، سيّما تعطيل حركة الملاحة الجوية في المطار، لأن المطارات والطائرات لديها أجهزة وتقنيات لتفادي التشويش وتأثيراته السلبية”.
وتنسحب التطمينات حول المطار نحو قطاع الخليوي، إذ يؤكّد قرم “عدم تأثُّر شبكة الاتصالات بشكل كبير بالتشويش، ولا وجود لانقطاع للاتصالات على شبكتيّ ألفا وتاتش”.
التطمينات لا تعني بالنسبة لقرم التساهل مع الاعتداءات الإسرائيلية، ويشير إلى أن التشويش هو “اعتداء على السيادة الوطنية، ما يستوجب تسجيل الاعتداء بشكل رسمي في مجلس الأمن حتى وإن لم نصل إلى نتيجة، لكن المهم هو تسليط الضوء للرأي العام العالمي حول الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، حتى إذا صار هناك محاسبة يوماً ما، يكون كل شيء موثّقاً بشكل رسمي ويمكن الاطّلاع عليه”.
الطائرات آمنة
التشويش الإسرائيلي لم يصل إلى مرحلة تهديد سلامة حركة الطائرات فوق مطار بيروت، علماً أن التشويش الإسرائيلي “يصيب حركة الطائرات فوق مصر والأردن أيضاً”، وفق ما يؤكّده لـ”المدن” رئيس مصلحة صيانة الأجهزة بمطار بيروت أمين جابر الذي يلفت النظر إلى أن التشويش موجود قبل بداية الحرب الحالية.
تفادي أي تداعيات سلبية للتشويش الإسرائيلي على الطائرات، أمر ممكن ويحصل باستمرار. يوضح جابر أن “الطائرات في حال وجود التشويش، تعتمد على الأجهزة الأرضية الموجودة في المطارات وأماكن أخرى على الأرض. ولبنان يملك عدّة أجهزة منتشرة في أكثر من منطقة، تساعد الطيارين على تحديد أماكنهم في الجوّ والهبوط في مطار بيروت بأمان”.
وعليه، فإن تهديد سلامة حركة الطائرات، يمكن تفاديه. ويشرح جابر أن “عملية التشويش على أنظمة الـGPS تعني حجب الإشارة، وبالتالي لا تستطيع الطائرة أو السيارة على الأرض التقاط أي رسالة”. وهذا الأمر يحيلنا إلى طريقة أخرى يستخدمها العدوّ، وهي “الاحتيال على أنظمة الملاحة وتضليل الطائرات. وهي طريقة لا تعتمد على التشويش، وإنما على إعطاء رسالة للطائرة، تبيِّن للطيار أنه موجود فوق منطقة أخرى، كأن يكون موجوداً فوق مطار بيروت، لكن نظام تحديد المواقع يشير إلى أنه فوق مطار تل أبيب على سبيل المثال”.
لكن الردّ موجود دائماً. فيطمئن جابر إلى أن “الخطأ بات معروفاً بالنسبة للطيارين الذين يأتون إلى بيروت، ولذلك، هناك تعميم على جميع الطيارين بالاعتماد على القيادة اليدوية وانتظار التعليمات المستندة إلى الأجهزة الأرضية، وعدم الاعتماد على الطيار الآلي أو على ما يظهر على أنظمة تحديد المواقع. وهذا أمر طبيعي يتدرّب عليه الطيارون ولا يؤثِّر على حركة الطائرات وإنما يُرتِّب على الطيارين بعض التعقيدات والإجراءات الروتينية فقط، وهو أمر معتمد في مختلف مطارات العالم ولا يؤثِّر على سلامة الطيران”.
الإجراءات الرسمية المتّبعة لتفادي التشويش وباقي مظاهر الاعتداءات السيبرانية الإسرائيلية، يرافقها إجراءات تتعلَّق بالمدنيين، وهي أقرب إلى المبادرات الفردية للمساهمة في ردّ الاعتداءات، ومنها إجراءات إقفال بعض الأجهزة الإلكترونية والحواسيب وفصل كاميرات المراقبة عن شبكة الانترنت، منعاً لتسهيل اختراقها من قِبَل العدوّ الإسرائيلي واستعمالها في تحديد بعض المواقع وجمع المعلومات المتعلّقة بالأشخاص. ولا تعني تلك الإجراءات أنها تحمي اللبنانيين والمرافق العامة من الاعتداءات بشكل كامل، لكنها تبقى إجراءات وقائية.