الآمال الكبيرة في حصول لبنان على المساعدة المالية من صندوق النقد الدولي، يقابلها تخوّف أكبر من إمكانية مرور السلطة الحاكمة بين الثغرات الكثيرة التي تتيحها الخطة للهروب من الاصلاحات البنيوية. فالفشل في خلق صدمة إيجابية ناتجة عن إصلاحات حقيقية لن تعيد لبنان إلى نقطة الصفر بل ستقذفه إلى وسط تيار هائج لا مخرج منه.
منذ صرخات الدول المانحة في باريس وصولاً إلى بيار دوكان موفد سيدر، الذي بُح صوته مطالباً المعنيين بالإصلاح، والأمور هي نفسها. لا بل ان الحكومة الحالية لم تكلّف نفسها عناء تصحيح بعض الاخطاء الجسيمة في “المعابر” و”الكهرباء” والأملاك البحرية قبل التوجّه الى “الصندوق”، لتقوية موقعها التفاوضي، وتوفير الكثير من الإجراءات القاسية التي سيدفع ثمنها المواطنون لاحقاً.
الكهرباء باب الإصلاح المفقود
القدرة على الاصلاح لم تفت بعد، صحيح. انما ما يحكى في العلن يُنقض في الخفاء. وقطاع الطاقة أكبر دليل. فـ “الكهرباء” تشكل واحدة من أكبر هذه الثغرات التي فشلت الخطة في سدّها. والتي ما زالت بحسب الملاحظات المقدمة من “الحزب التقدمي الاشتراكي” الى بعبدا، “تستنسخ أفشل تجارب الإصلاح من خلال تبنٍّ حرفي لإحدى خطط الطوارئ الصيفية، المفعمة بشوائب الفساد والمحاصصة الفاضحة، عدا عن كونها باباً من أبواب اللامركزية المالية التي بُشر اللبنانيون بها”.
وهنا يسأل عضو المجلس القيادي في الحزب محمد بصبوص “كيف يمكن الثقة بخطة أعادت إلى الواجهة السبب الرئيس لهدر 45 مليار دولار وتسببت بحوالى نصف الدين العام؟”، وبحسب بصبوص فإن “تبني الخطة للمعالجة نفسها التي أقرت في العام 2010 وكررت في العام 2017، لن يؤدي الى أي نتيجة تذكر، بل العكس نكون نسير على نفس المسار الانحداري الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم”.
فضائح الكهرباء المستعرة حالياً، لم تدفع المعنيين بها للاستتار، بل زادتهمم وقاحة بتجاهل المطلب الدولي المكرر منذ مؤتمر “سيدر” بتعيين الهيئة الناظمة للقطاع. وهذا ما عادت وأكدت عليه خطة الانقاذ الحكومية التي رفضت إدراج تعيين الهيئة الناظمة قبل تعديل القانون 462 النافذ منذ العام 2002. في حين ان “الاصول تقضي بتنفيذ القانون ومن ثم اجراء التعديلات عليه”، يقول بصبوص. “أما الرفض المطلق للقانون 462 فهو بسبب حد الهيئة من صلاحيات الوزير المطلقة وتقصير يده على توقيع الصفقات والعقود”.
المشكلة الاساسية التي تواجه الكهرباء اليوم هي في إحجام الجهات الدولية أو الصناديق الاستثمارية عن الدخول في شراكات مع القطاع الخاص اللبناني على طريقة OPP في مشاريع الطاقة. من هنا فان ورقة الاشتراكي بحسب بصبوص تركز على ضرورة “انشاء شركة وطنية للكهرباء، تكون مؤسسة كهرباء لبنان جزءاً أساسياً منها. يجري تمويل “الشركة” من خلال الاكتتاب بالاسهم ضمن ضوابط صارمة تحترم المعاير الدولية للشفافية. وبهذه الطريقة نكون أمنّا التمويل وأبعدنا النفوذ السياسي عن هذا المرفق الوطني وتجنبنا بيع أصول الدولة وممتلكاتها”.
الثغرة الاخرى في الخطة والتي لا تقل أهمية عن الكهرباء هي تركيزها على المعالجة النقدية على حساب تطوير وتحفيز وتفعيل القطاعات الانتاجية. وبحسب بصبوص فان “تدابير هذه الخطة التي تدعي تحفيز الانتاج وتشجيعه وتصغير القطاع المصرفي غير كافية إطلاقاً ولا تشير في الواقع الى منهجية واضحة وصريحة للخروج من الاقتصاد الريعي باتجاه الاقتصاد القائم على الانتاج”.
فشل الإصلاح
الرهان الوحيد على تمويلٍ من صندوق النقد الدولي وإمكانية الفشل في الاصلاح بنسبة كبيرة، يظهران الخطة وكأنها مبنية على الحظ. فالخطة لم تتضمن تصوراً بديلاً عن فشل المحادثات مع “الصندوق” أو عدم كفاية التدفقات النقدية المتأتية. في حين كان من الممكن الأخذ بعشرات الاقتراحات المجدية المقدمة من الاحزاب والخبراء والتي تصب كلها في خانة التعافي الداخلي والمرونة في الاستجابة للتحديات.