البستاني: أولويتنا النافعة والمولدات

يقال إنّ اللجان النيابية هي مقبرة القوانين، ومع الوقت زاد الإصلاح فوق تلك القوانين، فبات شعاراً يرفعه اللبنانيون من أجل الإشارة إلى تقصير في البرلمانات المتعاقبة في مجال الرقابة والمحاسبة.

بدأت هذه المقولة تتراجع تباعاً. وبدأنا نتلمّس التغيير، خصوصاً في أداء بعض النواب واللجان. فلجنة الاقتصاد التي يرأسها النائب فريد البستاني دخلت إلى “معترك المحاسبة” بقلب قويّ، محاولة فتح ملفات كبرى كانت في ما سبق بمنزلة Taboo (مُحرّمة) لا يجرؤ أحد على فتحها، مثل محاسبة الوزراء (إحالة وزير الاقتصاد أمين سلام إلى القضاء ومنعه من السفر قبل يومين)، وملف مولدات الكهرباء وكذلك النافعة.. وغيرها الكثير من الملفات، التي سيتم فتحها ومنها ملف وزارة الصناعة.

في هذا الصدد، يقول البستاني، إنّ اللجنة التي يرأسها لن تتوقف عند ملف التأمين في وزارة الاقتصاد. بل ستتخطاها إلى ملفات أخرى مهمة قابعة على رأس اهتمامات المواطنين اللبنانيين. وفي نظره، العمل الرقابي للبرلمان ليس حكراً على لجنة الاقتصاد التي يرأسها. بل هذا العمل كان موجوداً، لكنّه تراجع إلى حدّ الغياب بسبب الظروف التي لعبت دوراً سلبياً في مجال الرقابة. من بين تلك الظروف الفراغ الرئاسي، ثم حرب المساندة التي تلتها الحرب الشاملة… وصولاً إلى اليوم. إذ تصرّ لجنة الاقتصاد على “ضرورة المحاسبة”. فكل ملف يُفتح، يمهّد الطريق لفتح بابِ ملفٍ آخر، وذلك نظراً لتشابك المواضيع والملفات.

يضيف البستاني أنّ ملف التأمين، بما فيه من تُهم موجهة إلى وزير الاقتصاد أمين سلام “اتخذ مساره القضائي”، مفضلاً عدم الخوض بتفاصيله باعتبار أنّ القضاء هو “الجهة المخولة إصدار الأحكام”.

لكنه لا يُخفي أنّ النيّة المضمرة لدى لجنة الاقتصاد (بالتعاون مع الوزير الجديد عامر البساط) معقودة على تقديم اقتراح قانون من أجل إعادة هيكلة قطاع التأمين، من أجل تصحيح الشوائب على غرار ما فعلته اللجنة في قوانين أخرى، مثل قانون المنافسة. فهذه ملفات في نظر النائب الشوفيّ تهمّ المواطنين، وتدخل في صلب حياتهم وقوتهم اليومي، خصوصاً أنّ العمل الرقابي “يؤسس لنهج جديد، قائم على التكامل بين السلطة التشريعية والتنفيذية، يدفع عملية الاصلاح التي تسعى إليها السلطة الجديدة في لبنان قدماً”.

البستاني يكشف كذلك، أنّ اللجنة التي يرأسها ستجتمع مع وزير الصناعة من أجل الوقوف إلى جانبه في مجال المحاسبة أيضاً، ويقول: “أطلق الوزير تحقيقاً بواسطة التفتيش المركزي، وسنعرض عليه أن نكمل بالمسار نفسه من أجل تقصّي الحقائق تماماً كما فعلنا في وزارة الاقتصاد. طبعاً ليس هدفنا إدانة المرتكبين فحسب، وإنما تحسين أداء عمل الإدارة لتكون في خدمة المواطن اللبناني”.

أمّا عن الشبهات في تلك الوزارة، فتتعلق بأذونات مُصدرة بشكل موارب لإنشاء مصالح جديدة، وملفات أخرى يفضل البستاني عدم كشفها في وسائل الإعلام بشكل مسبق.

في ملف النافعة، لا يعتبر البستاني أنّ الهدف من فتحه هو التوفير على جيوب المواطنين فحسب، وإنما كذلك: إنصاف الموظفين العاملين في النافعة وإخضاعهم لتدريبات من أجل تحسين إنتاجيتهم، وبالتالي زيادة إيرادات الدولة، منوهاً في الوقت نفسه إلى وجود نواب ولجان أخرى بخلاف لجنة الاقتصاد “يعملون على هذا الملف لكنّنا نعالجه من الزاوية الاقتصادية”.

ومن التجاوزات التي ستتطرق إليها لجنة الاقتصاد في النافعة: غياب وحدة المعايير بين المراكز. إذ لا يجوز من وجهة نظره “أنّ ما يُطبق في الدكوانة يتم التغاضي عنه في بقية المراكز”. ناهيك عن تسجيل بعض عمليات الرشاوى بين الموظفين الحاليين، ولهذا يدعو البستاني إلى إنصاف الموظفين المدنيين النزيهين وإعادتهم إلى عملهم بدلاً من العسكريين المطالبين بمهام أخرى بخلاف الأعمال الإدارية، فهناك “مكان عملهم الصحيح وليس الغرق بالفساد في الدوائر الرسمية”، مع تأكيده على أهمية المكننة على غرار أغلب الدول في الخارج حيث تسجيل السيارات يتمّ “أونلاين”.. فلماذا لا نصل إلى هذا الأمر في لبنان؟ خصوصاً أن رئيس لجنة الاقتصاد يؤكد أنّه يملك تصوراً إصلاحياً لهذه الإدارة، وهذا في نظره سيقلّص الفساد بشكل كبير. فيقول: “أنا معجب بأداء وزير الداخلية أحمد الحجار، لأنّه ينظر إلى الملفات نظرة مختلفة. وأظن أن تعاونه معنا سيحلّ أزمة النافعة ويحدّ من الفساد”.

وفي ملف آخر يفوق أهمية كل ما سبق، لا ينكر البستاني أنّ ملف المولدات يمثل “وجعاً لكل اللبنانيين”. معتبراً أنّ الحل البديهي يبدأ بزيادة ساعات التغذية. فكلما زادت ساعات التغذية تراجع خطر المولدات التي لا تلتزم بتعرفة ولا بعدادات ولا باحترام المعايير البيئية. كما يتهم أصحاب المولدات باستغلال غياب الخيارات أمام المواطنين فيقومون بفرض رسوم اشتراكات باهظة عليهم وعدم تركيب عدادات. بينما يعتبر أنّ الخطر الأكبر غير المباشر يتمثل بعدم احترام المعايير البيئية، من خلال عدم تركيب عوادم و”فلاتر” لحماية المواطنين من الانبعاثات السامة، والروائح التي تمثل خطرا مستتراً قد يعتبره البعض ثانوياً، لكننّا سندفع أثمانه في صحة الناس عاجلاً أم آجلاً.

لجنة الاقتصاد تولي هذا الملف أهمية كبرى وتدعو الوزارات المعنية إلى تفعيل عملها من أجل مكافحة هذه المخالفات. خصوصاً أن هذا الملف يغرق بالمحسوبيات والرشاوى والاستنسابية… ويضيف : “سيكون لنا عمل كبير مع رئيس البلدية والمحافظ في العاصمة ومع المحافظين في المناطق، وما زلنا ندرس الملف بحذر لأننا لا نريد أن نطلق الوعود غير المنتجة”.

مصدرنداء الوطن - عماد الشدياق
المادة السابقةبيان للمالية حول الاجتماع الختامي للمفاوضات مع البنك الدولي
المقالة القادمةألمانيا تنهي عقود التقشف… «البوندسرات» يوافق على خطة الإنفاق الضخمة