خلافاً للمرّات السابقة، لم يُبال أبناء مدينة صيدا كثيراً بعملية تكليف السفير مصطفى أديب، ولا بتفاصيل المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة العتيدة، وما إذا كانت نسخة مُنقّحة عن حكومة الرئيس حسّان دياب أم لا. في قرارة أنفسهم، يشعرون بأنّهم يعيشون في ظلّ غياب مؤسسات الدولة باستثناء الأمنية منها، في رعايتهم واحتضانهم وتخفيف وطأة معاناتهم ما بين الأزمة الإقتصادية الخانقة والغلاء والجوع والفقر وبين جائحة “كورونا”.
وقد انضمّت البلديات الى صرخات الإحتجاج المتتالية، التي تبدأ بالقطاع التجاري ولا تنتهي بالسياحي، بعدما أُلقيت على عاتقها مسؤولية كبيرة تنوء بحمله لجهة متابعة جائحة “كورونا” ومنع تفشّي الفيروس، من دون أن تلقى الدعم المادي اللازم أو حتّى تُصرف لها مستحقّاتها المالية المتراكمة في ذمّة وزارة الداخلية والبلديات منذ العام 2018، وسط تلويح هو الأول من نوعه بحلّ نفسها وتسليم مفاتيحها الى الدولة اذا لم تبادر الى الإستجابة لمطالبها المحقّة.
صرخة وجع
رئيس إتّحاد بلديات صيدا الزهراني، رئيس بلدية صيدا محمد السعودي عبّر عن صرخة الإحتجاج مع نحو 16 رئيس بلدية يشكّلون اتّحاد بلديات صيدا – الزهراني، أطلقوا نداء مشتركاً لتسديد مستحقّاتهم المالية، لتفادي الأسوأ من اعتماد قرار حلّ أنفسهم، لأنّ وضع البلديات للقيام بمسؤولياتها أصبح صعباً للغاية، والخيار تسليم مفاتيح البلديات للدولة كي تُديرها إذا لم يتمّ تسديد هذه المستحقّات.
ووصف السعودي الوضع في البلديات بأنّه “لا يُطاق”، قائلاً: “انّها ثالث سنة البلديات لم تأخذ حقوقها، الحمل الآن على البلديات ثقيل جداً، وهي ترزح تحت هذا الواقع والمسؤوليات وقد واجهت تداعيات عدّة منها الحراك وجائحة “كورونا” والوضع الإقتصادي وإنفجار مرفأ بيروت.. من هنا نقول كيف للبلديات أن تتحمّل كلّ هذه المسؤوليات والمستحقّات غير مُسدّدة، نرفع صوتنا وصرختنا للدولة اللبنانية، خصوصاً وزارة الداخلية المسؤولة عن البلديات لإنصافنا”.
وأضاف: “لا يُخفى على أحد الواقع المأسوي الذي يمرّ فيه بلدنا الحبيب لبنان وتداعياته الإقتصادية والمعيشية الصعبة، على مجمل أبناء الشعب اللبناني وكافة المقيمين في هذا البلد وفي كل المدن والمناطق. هذا الواقع الكارثي إنسحب أيضاً على البلديات اللبنانية كافة، ومنها البلديات المنضوية في إتحاد بلديات صيدا الزهراني الذي يضمّ 16 بلدية، فنطلق صرخة من أجل تمكين بلدياتنا من الإستمرار في تحمّل المسؤوليات الملقاة على عاتقها تجاه الدولة وتجاه المواطنين وأبناء البلدات الكرام”.
ولم يُخف السعودي بأنّ “المسؤوليات كبيرة والأزمات كثيرة ومتتالية، ولم يعد بإمكان أي بلدية على تحمّلها، كيف يمكن للبلديات، ولا سيما البلديات الصغيرة، تحمّل هذه الأعباء من دون موارد مالية ومن دون دفع الدولة مستحقّات البلديات المتوقّفة منذ العام 2018″، موضحاً أنّ “ما هو مطلوب من البلديات اليوم أكبر من طاقتها على التحمّل ويصحّ فيها المثل: العين بصيرة واليد قصيرة”، قبل أن يستدرك “صحيح أن بلديات المدن الكبرى لا تزال صابرة وتتحمّل، ولكنّها على قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح وضعها مُشابهاً لوضع البلديات الصغيرة المأسوي”، متسائلا: “ماذا تنتظرون منا إذا لم يتم تسديد المستحقّات، حتى ولو تمّ تسديدها للبلديات، فإنّ ما نواجهه كبير وأزمات صعبة تنوء تحتها دول وليس بلديات”.
وأضاف: “نحن نواجه بإمكانيات معدومة جائحة “كورونا” وتداعياتها، وتطبيق مقرّرات التعبئة العامة الصحّية والإجتماعية، وكذلك الإرتفاع الكبير في الأسعار، ومطلوب من البلديات أيضاً أن تواكب عمل مراقبة الأسعار، ومسؤوليات أخرى أيضاً، وكلّ ذلك بإمكانيات معدومة. انّه نداء أخير وصرخة نُطلقها: أنصفوا البلديات وأنصفوا إتحاد بلديات صيدا الزهراني، من خلال صرف المستحقّات البلدية المتوقّفة، وأيضاً من خلال دعم إستثنائي للبلديات، لأنّنا نخشى أن يأتي اليوم الذي قد تضطرّ فيه بعض البلديات لحلّ مجالسها وتسليم مفاتيحها للدولة، ونخشى أن يكون هذا اليوم قريباً”.
مداخلات وتأييد
وأيّد رؤساء بلديات الإتّحاد ما قاله السعودي علناً، وحذّر رئيس بلدية الميه وميه رفعات بوسابا من واقع البلديات المرير، مؤكّداً بأنّه “في ظلّ هذا الواقع قد نجد أنفسنا قد توقّفنا عن المضيّ في مسؤولياتنا، ونسلّم مفاتيح البلديات إلى محافظ الجنوب ليتولّوا حمل الهموم الكبيرة التي تضطلع بها البلديات، ولم تعد تطيق ذلك بسبب شحّ وانعدام الموارد المالية وعدم دفع المستحقّات. ومثله، فعل رئيس بلدية البرامية جورج سعد، وحسن صالح والحاج أحمد الجبيلي عن بلدية حارة صيدا، ورئيس بلدية الصالحية نقولا أندراوس، فأكّدوا ضرورة تلبية مطالب بلديات الإتّحاد لتمكينها من مواصلة عملها ومسؤولياتها.