البنك الدولي: أموال المغتربين شريان لبنان

«لبنان الآن في قعر مؤقّت»، يقول البنك الدولي في نشرة المرصد التي صدرت أمس، لكنّه يضيف أن لبنان يقع في مهبّ أزمة جديدة تتعلّق بما سمّاه «الصراع في الشرق الأوسط». وقد بلغنا هذا القعر المؤقّت بعد سنوات من الانكماش الحادّ وتضخّم في الأسعار، ولا سيما أسعار الغذاء. ما جعله قعراً هي تلك الأموال التي تدفقت من المغتربين وعبر النشاط السياحي، إلّا أنها أدّت في الوقت نفسه إلى «عجز واسع في الحساب الجاري المدفوع في المقام الأول بزيادة الواردات»، أي أن التشوّه البنيوي في الاقتصاد عاد ليظهر مجدداً على وقع اعتماد لبنان على التدفقات الخارجية لتمويل الاستهلاك المحلي، ولذا فإنّ توقعات البنك الدولي هي أن «تتسارع وتيرة التضخّم لتبلغ معدلات قياسية مقدرة بنحو 231% في نهاية السنة الجارية. وفوق ذلك كلّه، فإن تجدّد الصراع العسكري في الشرق الأوسط في ظل عدم تبنّي لبنان خطّة شاملة لحلّ الأزمة سيدفع إلى مزيد من التآكل في رصيد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي.بهذه الخلاصة، يظهر أن نشرات المرصد التي يصدرها البنك الدولي عن لبنان، عادت إلى الكلاسيكية في قراءة تطوّرات لبنان بعدما قيل كل ما يمكن أن يقال عن الأزمة. الآن، يسود توصيف المشهد ومراقبة المؤشرات التي تقود نحو نتيجة واحدة: المزيد من الهجرة، واعتماد أكبر على تحويلات المهاجرين. وقد خصّصت نشرة المرصد قراءةً خاصّة عن تحويلات المغتربين تشير فيها إلى أن لبنان شهد موجات متعدّدة من الهجرة، سببها: انعدام الاستقرار السياسي، فتنة داخلية، اضطرابات مدنية وصراع إقليمي. اتّسمت هذه الموجات بـ«هجرة الأدمغة» القائمة على هجرة المتعلمين حتى «بات اقتصاد لبنان يعتمد كثيراً على تحويلات المغتربين. وقد كانت هذه التحويلات أساسيةً لتمويل العجز البنيوي والمستمرّ في حسابه الجاري. في الواقع، إن التحويلات تجاوزت صادرات لبنان منذ عام 2002». أيضاً، كانت هذه التحويلات بمنزلة شبكة أمان اجتماعية في ظل غياب شبكة ملائمة، ودعمت استهلاك الأسر ومستويات معيشتهم. الدخل الإجمالي المتاح كان يتخطّى طوال المدّة ما بين 2004 و2020، الناتج المحلي الإجمالي. «منذ انفجار الأزمة في 2019، أثبتت هذه التحويلات أنها شريان الحياة للبنان في ما خصّ حاجاته الأساسية». لولا هذه التحويلات، لما كان سهلاً على قسم كبير من السكان الحصول على الرعاية الصحية والتعليم، وقد أدّت هذه التحويلات دوراً حيوياً في ردم خسائر القدرة الشرائية للغالبية.

وبحسب البنك الدولي، فإن معدل تحويلات المغتربين بين 2009 و2018 بلغ 6450 مليون دولار، أو ما يعادل 14.2% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ معدّلها في المدّة ما بين 2019 و2022 نحو 22.3% من الناتج أو ما قيمته 6346 مليون دولار. وفي عام 2022 وحده، استقبل لبنان تحويلات تعادل 29.9% من ناتجه المحلي، ما يجعله ثالث أكبر متلقٍّ للتحويلات عالمياً كنسبة من الناتج. التحويلات من السعودية هي الأكبر، إذ بلغت 1.1 مليار دولار في 2021، تليها بقيمة مليار دولار من مغتربي أميركا، وبقيمة 600 مليون دولار من أستراليا وبحجم مماثل من كندا، وبقيمة 590 مليون دولار من ألمانيا.

بالنسبة إلى المخاطر المحدقة باقتصاد لبنان، فإن البنك الدولي يشير بوضوح إلى أنه في ظل غياب تمويل مالي عبر السياسة النقدية، وهو ما يعبّر عن السياسة الجديدة التي اتّبعها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري عند تولّيه مهماته الحاكمية بالقول إنه لن يموّل الدولة، لن يكون أمام السلطات المالية إلّا تحريك الإيرادات (الضرائب) وهو ما قد يؤدي إلى خفض الدخل المتاح (الدخل المحلي مضافاً إليه قيمة التحويلات). وإذا أُخذ في الحسبان أنّ لبنان يعتمد كثيراً على الاستهلاك المستورد، فإن النقص في تمويل عجز الحساب الجاري سيقود ضغوطاً على الاستيراد وسيخفض الاستهلاك الخاص، بينما الإنتاج المحلي ضعيف جداً. وبالتالي، فإن ما كان متوقعاً من نموّ لهذه السنة بمعدل 0.2%، سينقلب سريعاً إلى حالة ركود.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقة«مينا فاتف»: المطلوب من لبنان مكافحة حزب الله واقتصاد الكاش
المقالة القادمةمنصوري: مطلوب من لبنان إجراءات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب