شدّد البنك الدولي على أنّه «على لبنان أن يعتمد على نحو عاجل وبفعالية برنامجاً شاملاً لإصلاحات المالية العامة الكلية، والإصلاحات المالية والقطاعية التي تخصص أولوية للحوكمة والمساءلة والشمول. وكلما تمّ الإسراع في تنفيذ هذه الإصلاحات، خفّت الآثار المؤلمة لعملية التعافي على الشعب اللبناني».
وأشار في تقرير «المالية العامة في لبنان: مخطط تمويل بونزي؟» الى أنه «فيما تتطلب معالجة الأوضاع الهشة برنامجاً على الأمد المتوسط إلى الطويل، فإنّ الشعب اللبناني يحتاج إلى مساعدات فورية، والأهم من ذلك إلى تبني سياسات مسؤولة من قبل السلطات. ويقترح التقرير سلسلة من التدابير والسياسات الكلية والقطاعية لتلبية الإحتياجات الفورية للسكان، وفي الوقت ذاته تنفيذ إصلاحات في الأمد المتوسط إلى الطويل لتحسين القدرة على توفير الخدمات واستدامتها وقابليتها على الصمود في وجه الصدمات. وتُركِّز التدابير المقترحة على ثلاثة أهداف رئيسية: 1) ضمان استدامة الخدمات الأساسية ويُسر تكلفتها؛ 2) تعزيز الإنصاف في الإنفاق العام؛ 3) رفع كفاءة الإنفاق العام في مختلف القطاعات. واعتبر البنك الدولي في التقرير أنّ «المالية العامة في لبنان في فترة ما بعد الحرب الأهلية استُخدمت كأداة لسيطرة ممنهجة على موارد البلاد، فساعدت على خدمة مصالح نظام اقتصاد سياسي متجذِّر. واستُخدِم التراكم المفرط للديون لخلق وهم الاستقرار وتعزيز الثقة في النظام المالي الكلي حتى يستمرّ جذب الودائع. وأدّى الكساد الذي كان متعمداً خلال الأعوام الثلاثين الماضية إلى إفراغ الدولة من قدراتها على تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين».
ويُقدّم «تقرير المالية العامة في لبنان: مخطط تمويل بونزي؟»، الصادر أمس، تحليلاً لأوضاع المالية العامة في لبنان في فترة ما بعد الحرب الأهلية لفهم الأسباب الجذرية المؤدية إلى إفلاس النظام المتوقع على نحو واسع. ويُركِّز التقرير على ثلاثة عناصر رئيسية: سياسة المالية العامة في الجمهورية الثانية، وإعادة هيكلة النظام المالي الكلي؛ وعدم تقديم الخدمات العامة. وترصد نتائج التقييم: (1) خروجاً منهجياً وحادّاً عن سياسة المالية العامة المنظمة والمنضبطة، (2) الفرص الضائعة لحماية الأغلبية الشاسعة من المودعين بالدولار الأميركي؛ و(3) انهياراً لمنظومة الخدمات العامة الأساسية التي كانت ضعيفة أصلاً، ما يضع العقد الاجتماعي في دائرة الخطر.
ويقوم التقرير بتحليل آثار السياسات الكلية والهيكلية العشوائية التي انتهجها لبنان على «الفشل» في توفير الخدمات العامة الأساسية للسكان. وأدّت الأزمة الراهنة إلى تفاقم أوجه النقص الخطيرة والسائدة منذ وقت طويل في تمويل هذه الخدمات العامة الأساسية: المياه، والكهرباء، والنقل، والرعاية الصحية، والتعليم، والحماية الاجتماعية. وأثَّرت الصدمات المتعاقبة التي أصابت لبنان منذ 2019 على جانبي العرض والطلب لقطاعات الاقتصاد الحيوية. وكشفت الأزمات عن هشاشة نظام تقديم الخدمات في لبنان، وهو نفسه نتاج سيطرة النخبة على موارد الدولة لتحقيق مكاسب شخصية. وكانت عملية إضعاف تقديم الخدمات العامة في سياق جهد مُتعمد لإفادة فئة محدودة على حساب الشعب اللبناني. وكان المواطنون في نهاية المطاف يدفعون تكاليف مضاعفة، ويحصلون على منتجات أو خدمات ذات جودة متدنية، وكانت الآثار أيضاً تنازلية بدرجة كبيرة، حيث تؤثِّر على الشرائح السكانية ذات الدخل المتوسط والدخل المنخفض بدرجة أكبر بكثير من غيرها.