البنك الدولي حائر في نموّ لبنان

في تقريره الصادر في ربيع 2024، كان البنك الدولي يقول إن تقديراته بشأن الناتج المحلي الإجمالي في لبنان قبل الحرب على غزّة، تشير إلى نمو بنسبة 0.2% للمرّة الأولى منذ عام 2018، إلا أن مفاعيل الحرب ستؤدي إلى تقلّص في الناتج ليصبح 18.1 مليار دولار في نهاية 2024، مقارنة مع 20.99 مليار دولار في نهاية 2023. لكن البنك، ولأسباب غير مفهومة، يقول الآن في نشرة خريف 2024، إنه قبل الحرب كانت التقديرات بأن الناتج سينمو إلى 25.3 مليار دولار، وبعد الحرب انخفض إلى 22.79 مليار دولار.

بدا كأن البنك الدولي يتماهى مع الضغوط التي تُمارس على لبنان بعد الحرب. فهو يشير إلى أن النمو كان يمكن أن يكون بقيمة 5 مليارات دولار لولا «النزاع» الذي دفعه نزولاً نحو 2.7 مليار دولار فقط. فالمسار الذي رسمه البنك للنمو في لبنان يعتمد سردية غريبة، أي إنه لولا انخراط لبنان في الصراع مع غزّة، لكان حقق نموّاً هائلاً يفوق بكثير الـ0.2% التي أشار إليها في ربيع 2024.

ومن هذه النقطة واصل البنك الدولي تقديم روايته عن الوضع في لبنان، منتقداً الاختلال بين السياسات النقدية والمالية، والذي سيظهر بشكل واضح في مرحلة إعادة الإعمار. فهو يرى أنه تم تحقيق استقرار نقدي قبل «النزاع»، إلا أن «التعافي يفرض مخاطر ويجدد الضغوط والاستنزاف للاحتياطات السائلة بالعملة الأجنبية». لذا، يعتقد أن الاستقرار في سعر الصرف «الذي كان يعتمد على قيود مالية والتقشّف الذي يفرضه مصرف لبنان على المؤسسات العامة، أصبح مثيراً للجدل». فما كان يحصل هو أن جباية الضرائب الإضافية التي فرضتها الحكومة، قلّصت السيولة بالليرة لأنها تجمّعت في أيدي مصرف لبنان. أما الآن، فقد بات على الإدارات الإنفاق بالعملة المحلية والأجنبية لتغطية الحاجات الإنسانية والأضرار المادية، فضلاً عن مفاعيل «النزاع» على القطاعات. لذا، أي إنفاق سيضغط على احتياطات المصرف المركزي وعلى السيولة السوقية بالليرة اللبنانية، وتنتقل هذه الضغوط على سعر الصرف وتهدّد الاستقرار الهشّ الذي جرى التوصل إليه.

ويشير البنك الدولي إلى أن لبنان يحتاج إلى تمويل يغطّي الحاجات الملحّة للنزوح وإعادة تقديم الخدمات العامة، ودعم جهود التعافي. ويأتي ذلك فيما «يتوقع تراجع الإيرادات بسبب التراجع في النشاط الاقتصادي، ولا سيما إيرادات ضريبة القيمة المضافة، ومصادر الإيرادات الأساسية للحكومة». وبرأيه، فإن هذه الوضعية تتطلب مراجعة لموازنة 2025، لتتواءم بشكل أفضل مع الواقع الحالي. ومن دون أي تطور في إعادة هيكلة الدين العام، فإن قدرة لبنان على الاستجابة الفعالة للتعافي مع تداعيات «النزاع» ستبقى محدودة جداً. إذ إن التوقف عن الدفع سيدفع أكثر نحو الاعتماد على المساعدات الدولية الإنسانية في إدارة ملف النزوح، علماً أن مسألة تمويل إعادة الإعمار ما زالت في إطار «انعدام اليقين».

ويتوقع البنك الدولي انخفاض الصادرات اللبنانية، ما يخلق احتمالات أن تسوء الأمور أكثر في ميزان تجارة السلع (المزيد من العجز التجاري). أيضاً، إن هذا الوضع ينعكس سلباً على ميزان الخدمات (تجارة الخدمات بين الداخل والخارج التي كانت تسجّل فائضاً لمصلحة لبنان)، إذ سيسجّل المزيد من التراجع بسبب تقلص إيرادات السياحة.
ويقول البنك الدولي، إن «النزاع»، أدّى إلى تعزيز الحاجة إلى الإصلاحات المتفاهم عليها التي تبقى مسار الحل الأساسي. وتتضمن الأولويات التوصل إلى استقرار في الاقتصاد الكلي، وتحسين الحوكمة، واستعادة الموارد البشرية. فالاستثمار في المؤسسات العامة، لا يحسب الخدمات العامة فقط، بل يعزّز الانصهار الاجتماعي والاستقرار على مدى الأيام المقبلة.

اللافت في حسابات البنك الدولي، أن حصّة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي ازدادت إلى 6% مقارنة مع 4.4% في 2018، بينما ما زالت حصّة الصناعة مستقرّة عند 12.9% مقارنة مع 12% في 2018.

أما معدل التضخّم السنوي، فسيتراجع إلى 45% مقارنة مع 72.% في 2018 علماً أنه خلال السنوات الخمسة التالية كان في إطار المستوى نفسه، أي مرتفعاً.

وسجّل عجز الحساب الجاري الذي يعبّر عن العجز التجاري بشكل أساسي، 25.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، فيما سجّل الميزان التجاري عجزاً بنسبة 50.7%.

ارتفاع الناتج الفردي

وفقاً لتقديرات البنك الدولي فإن الناتج الفردي في لبنان سينكمش بنسبة 8.9%، إلا أنه يقول إن هذه الحسابات للناتج الاسمي، وهي مبنية على أن عدد سكان لبنان انخفض إلى 5.5 ملايين شخص مقارنة مع 6.7 ملايين شخص في 2022. أي إن الناتج الفردي ارتفع من 3133 دولاراً للفرد الواحد، إلى 4145 دولاراً للفرد.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةتسلل دولارات مزوّرة من تركيا إلى لبنان… فاحذروا!
المقالة القادمةفياض يُوقّع رخصة مسح البلوك 8 الحدودي في الجنوب