أعلن كبار المسؤولين الاقتصاديين في العالم وخبراء البنك وصندوق النقد الدوليين توقعاتهم بتعافي الاقتصاد العالمي بوتيرة أسرع من التوقعات السابقة التي تم الإعلان عنها في يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث دفعت البيانات المتعلقة بخطط التلقيح المتسارعة ضد وباء «كوفيد – 19» في كثير من الدول الغنية إلى نظرة أكثر تفاؤلاً بقدرة الاقتصاد العالمي على التعافي، إضافة إلى توقعات بمستويات نمو متقدمة في كل من الولايات المتحدة والصين.
وتوقع صندوق النقد في يناير نمواً بنسبة 5.1 في المائة هذا العام بالولايات المتحدة، لكن عزز الخبراء توقعاتهم إلى 7 في المائة أو أكثر، بعد تمرير الكونغرس الأميركي حزمة تحفيز جديدة بقيمة 1.9 تريليون دولار في شهر مارس (آذار) الماضي. ويتضافر ذلك مع التوقعات بمعدلات نمو عالية في الصين، التي سيطرت على الوباء بسرعة أكبر لاستئناف الإنتاج والصادرات، بنسبة 8.1 في المائة.
وقال صندوق النقد إن الانتعاش الجاري هو في جزء كبير منه نتيجة ما يقرب من 16 تريليون دولار من الحوافز المالية وضخ السيولة من الحكومات والبنوك المركزية، خصوصاً في الدول الغنية. وتعهدت حكومة الولايات المتحدة وحدها بنحو 5 تريليونات دولار في الإنفاق التحفيزي منذ بداية الوباء.
وفي تقرير عن آفاق الاقتصاد العالمي يصدره صندوق النقد اليوم (الثلاثاء)، يخطط خبراء الصندوق لرفع توقعاته للنمو العالمي لهذا العام، من التوسع المتوقع بنسبة 5.5 في المائة بعد انكماش يقدر بنحو 3.5 في المائة في عام 2020، وهو أسوأ انكماش اقتصادي منذ الكساد الكبير. ويجتمع وزراء مالية مجموعة دول العشرين غداً (الأربعاء)، لمناقشة تمديد مبادرة تعليق خدمة الديون للدول الفقيرة ومنخفضة الدخل. وقد بدأت المبادرة في مايو (أيار) الماضي، ومن المقرر أن تنتهي في يونيو (حزيران) المقبل.
في الوقت نفسه، حذر الخبراء من تأثير الموجات الجديدة من الفيروس وعمليات الإغلاق المستمرة في كثير من الدول، على كبح جماح معدلات النمو وبصفة خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل ذات الموارد المحدودة. ويقول الخبراء إن أحد المخاطر المتزايدة على التوقعات الاقتصادية هو ظهور متغيرات فيروسية. تم تحديد ثلاثة منها أولاً في المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا والبرازيل، وانتشرت منذ ذلك الحين في جميع أنحاء العالم، وتشترك جميعها في ميزات مثيرة للقلق تهدد بإلغاء التقدم في دحر الوباء، إذا ترك الفيروس دون رادع.
وتظهر توقعات صندوق النقد تعافياً بطيئاً ومتعثراً للدول النامية، حيث من غير المرجح أن تقوم الدول النامية بتلقيح عدد كافٍ من سكانها لتحقيق مناعة القطيع، وقد يستغرق الأمر وقتاً حتى عام 2023، خصوصاً مع اقتراب الاحتياطات المالية للدول النامية من النضوب، ما يهدد بأول ارتفاع لمستويات الفقر العالمي منذ عام 1990 في وقت يواجه فيه 270 مليون شخص بالفعل شبح المجاعة.
ويشير الخبراء إلى أن الأموال المخصصة لمساعدة الدول الفقيرة محدودة، حيث ركزت الاقتصادات الكبرى على مكافحة الوباء وإصلاح اقتصاداتها. وقد قدمت مجموعة العشرين 5 مليارات دولار لتخفيف خدمة الديون لأكثر من 40 دولة منخفضة الدخل، لكن مقرضي القطاع الخاص لم ينضموا إلى هذا الجهد. وخلال عام 2020، تمكنت الحكومات الغنية من الموافقة على تريليونات الدولارات من حزم التحفيز للشركات، والتحويلات النقدية للأفراد، واللقاحات والتعليم، لكن تضاعفت الديون الخارجية للبلدان منخفضة الدخل بين عامي 2019 وعام 2020، لتصل إلى أكثر من 750 مليار دولار، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
ولمعالجة المشكلة دون زيادة هذا العبء، اقترح صندوق النقد الدولي إصدار 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة، وهي أصل احتياطي دولي يمكن للدول استبداله الدولار أو العملات الرئيسية الأخرى به لتغطية الالتزامات. ويلقى هذا الاقتراح دعماً كبيراً بين أعضاء صندوق النقد على أمل إرسال أكثر من 20 مليار دولار إلى الدول الفقيرة، لكن يقول الاقتصاديون إن هذه طريقة غير فعالة لمساعدة الدول الفقيرة، لأن معظم حقوق السحب الخاصة ستُمنح للدول الغنية التي هي أكبر مساهمي صندوق النقد.