تبدي بنوك خليجية رغبة قوية في تعزيز حضورها في الأسواق الإقليمية والدولية الكبرى، والتي تجتذبها الظروف الاقتصادية المحسّنة وفرص النمو الأفضل مقارنة بالأسواق الإقليمية الرئيسية.
وتفيد العديد من التقارير الدولية، بما في ذلك تقييمات حديثة لوكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية بأن العديد من المؤسسات المصرفية في المنطقة تتطلع إلى الاستحواذ على بنوك في كل من تركيا ومصر والهند.
وتصنف الوكالة القطاع المصرفي في تركيا عند درجة بي+ مع نظرة إيجابية، أما نظيره المصري فدرجة تصنيفه عند بي- مع نظرة إيجابية، وأخير يحظى القطاع في الهند بتصنيف بي.بي.بي- مع نظرة مستقرة.
وتتمتع البنوك الخليجية بملاءة مالية قوية من حيث الأصول والميزانيات ويؤشر تصنيفها الدولي إلى أن لديها أسواقا واعدة وثابتة كون أغلب المؤسسات المصرفية تمتلك فيها حكومات المنطقة حصصا فيها.
ويعد بنك الأهلي السعودي الذي يملك حصة في كريدي سويس، وبنك أبوظبي الأول من بين أكبر المؤسسات المصرفية في منطقة الخليج من حيث الأصول والنشاط.
ووفق بيانات اتحاد المصارف العربية يصل عدد البنوك الخليجية العاملة في دول الخليج نحو 167 بنكا تقريبا وتشغّل نحو 60 مليون شخص.
وتستحوذ الإمارات على أكبر عدد من البنوك بنحو 48 بنكا، ثم السعودية والبحرين 31 بنكا لكل منهما، ثم الكويت 22 بنكا، وقطر وسلطنة عمان 18 بنكا لكل منهما.
وتعتقد فيتش في تقرير نشرته الثلاثاء الماضي، على منصتها الإلكترونية أن النمو الخارجي هو جزء من إستراتيجية بعض البنوك الخليجية لتنويع نماذج الأعمال وتحسين الربحية.
وقال خبراء الوكالة في التقرير إنه “من خلال نشر رأس المال في الأسواق ذات النمو المرتفع، فقد تتمكن من التعويض عن النمو الأضعف في أسواقها المحلية”.
وتتمتع تركيا ومصر والهند بعدد سكان أكبر بكثير من عدد سكان دول الخليج، كما أن لديها إمكانات أكبر لنمو القطاع المصرفي نظرا لآفاق نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي القوية وأنظمتها المصرفية الأصغر حجما مقارنة باقتصاداتها.
وتقل نسب أصول نظامها المصرفي إلى الناتج المحلي الإجمالي عن 100 في المئة، مقارنة بأكثر من 200 في المئة في أكبر أسواق دول الخليج.
وخلال العام الماضي، كان الائتمان الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي 27 في المئة فقط في مصر، و43 في المئة في تركيا، و60 في المئة في الهند.
ومن المتوقع أن يكون التعرض الرئيسي لبنوك الخليج خارج منطقتها من خلال الشركات التابعة في تركيا ومصر، حيث كان لديها حوالي 150 مليار دولار من الأصول في نهاية الربع الأول من عام 2024.
وفي حين أن هذه الأسواق هي المحور الرئيسي للنمو، إلا أن هناك اهتماما متزايدا بالهند، لاسيما من البنوك في دولة الإمارات، التي تتمتع بروابط مالية وتجارية قوية ومتنامية مع الهند.
وقد زادت شهية بنوك دول الخليج للتوسع في تركيا منذ التحول في سياسة الاقتصاد الكلي في البلاد في أعقاب الانتخابات الرئاسية في العام الماضي، مما أدى إلى تقليل ضغوط التمويل الخارجية والمخاطر على الاستقرار الكلي والمالي.
ودفع هذا التحسن وكالة فيتش مؤخرا إلى مراجعة توقعاتها للقطاع المصرفي التركي بأنه سيكون أكثر تحسنا في الفترة المقبلة.
ويدرس أبوظبي الأول، أكبر بنك في الإمارات، عمليات استحواذ محتملة في تركيا، بما في ذلك شراء يابي في كريدي بنك مقابل 8 مليارات دولار، كجزء من بحث المصرف الإماراتي عن فرص النمو في الخارج.
وتتوقع فيتش أن ينخفض معدل التضخم التركي إلى متوسط 23 في المئة العام المقبل من 65 في المئة خلال 2023، ومن المحتمل أن تتوقف بنوك الخليج عن استخدام تقارير التضخم المفرط لفروعها التركية اعتبارا من عام 2027.
وإلى جانب استقرار الليرة التركية بشكل أكبر، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين عوائد بنوك الخليج على عملياتها في السوق التركية.
ويكتسب اهتمام بنوك الخليج بمصر زخما أيضا، وتعتقد فيتش أن هذا يرجع إلى تحسن بيئة الاقتصاد الكلي في البلد، والفرص التي يوفرها برنامج الخصخصة الذي أطلقته السلطات، وتوسع بعض الشركات الخليجية هناك.
ويتنافس بنكا بيت التمويل الكويتي (بيتك) وقطر الإسلامي للاستحواذ على مصرف المتحد المصري بعدما تعثرت الصفقة البالغ قيمتها 600 مليون دولار بين صندوق الثروة السعودية والمركزي المصري العام الماضي.
وعدلت فيتش مؤخرا توقعاتها بشأن درجة بيئة التشغيل بي- للبنوك المصرية إلى إيجابية، مما يعكس توقعاتها بتحسن الاستقرار الكلي بسبب صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، واتفاق معزز مع صندوق النقد الدولي، والمرونة والالتزام الأكبر بالإصلاحات الهيكلية.
وترى الوكالة إمكانية استمرار التحسن الكبير في صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي المصري هذا العام من خلال التدفقات القوية للمحافظ وتحويلات المغتربين وعائدات السياحة.
وتتوقع أن ينخفض التضخم في البلاد إلى 12.3 في المئة خلال يونيو المقبل من 27.5 في يونيو 2024، مما قد يؤدي إلى تخفيضات في الفائدة اعتبارا من الربع الرابع من عام 2024.
وتواجه السوق المصرفية المصرية حواجز كبيرة أمام الدخول، ولكن قد تتاح لبنوك الخليج فرص للاستحواذ على حصص في ثلاثة بنوك من خلال برنامج الخصخصة الذي تنفذه السلطات.
كما أن توسع الشركات الخليجية في مصر، وخاصة الشركات الإماراتية، يمكن أن يدعم زيادة حضور البنوك الخليجية.
ومن الممكن أن تؤثر الكلفة المتزايدة للاستحواذ على البنوك في الدول الثلاث على خطط الاستحواذ لدى البنوك الخليجية، فقد ارتفعت مضاعفات السعر إلى القيمة الدفترية منذ 2023، لاسيما في تركيا والهند، مما يعكس تحسن آفاق الاقتصاد وانخفاض مخاطر بيئة التشغيل.
ومن الممكن أن تؤدي عمليات الاستحواذ في الدول ذات التصنيف المنخفض إلى إضعاف تصنيفات جدوى بنوك الخليج.
ويمكن أن تؤدي أيضا إلى انخفاض درجة بيئة التشغيل اعتمادا على الحجم النسبي للكيان المستحوذ عليه أو إضعاف الوضع المالي، مما قد يؤثر على تصنيف الجدوى للبنك المستحوذ.
ومع ذلك، فإن تصنيفات العجز عن سداد الديون طويلة الأجل لبنوك دول الخليج تقريبا تعتمد على الدعم الحكومي، وبالتالي من غير المرجح أن تتأثر بعمليات الاستحواذ.