تعاني البنوك المركزية العالمية ظروفاً قاهرة وسط عواصف اقتصادية غير مسبوقة، وبينما تسعى لمواءمة أوضاعها باستغلال أدوات تقليدية تتمثل في رفع الفائدة لمواجهة التضخم الجامح، فإنها تكافح من أجل عدم الوصول إلى نقطة الركود.
وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، إنه قد تكون هناك حاجة لرفع سعر الفائدة إلى مستوى تقييدي لإعادة التضخم إلى المعدل المستهدف، عند 2%.
وأضافت لاغارد في تالين، عاصمة إستونيا، أنه بعد زيادة تكاليف الاقتراض بواقع نقطتين مئويتين خلال ثلاثة أشهر، قد يحتاج البنك المركزي الأوروبي إلى أن يصل بها إلى نقطة تمثل عندها مكابح للاقتصاد. وتشهد إستونيا أسوأ زيادة في أسعار المستهلك في منطقة اليورو، والتي تجاوزت 25%. ولا يزال مسؤولو «المركزي الأوروبي» يؤمنون بالحاجة إلى مكافحة التضخم، رغم أن انكماشاً اقتصادياً يَلوح في الأفق، كما يخفف بعض البنوك المركزية وتيرة الزيادة في أسعار الفائدة.
وحذّرت لاغارد يوم الخميس من إمكانية حدوث «ركود معتدل»، لكنها أشارت إلى أنه لن يكون كافياً في حد ذاته لكبح جماح ارتفاع الأسعار، والذي صار أعلى بخمسة أمثال نسبة 2% المستهدفة.
من ناحية أخرى، قال محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) أندرو بيلي، إن الاضطرابات التي تضرب بريطانيا أسوأ من الناحية الاقتصادية، مقارنةً بما حدث في السبعينات.
وأضاف بيلي خلال مؤتمر صحافي، يوم الخميس، أن الهجوم الروسي على أوكرانيا والاضطرابات في سلاسل الإمداد عقب جائحة «كوفيد – 19» كان لها تأثير أكبر على الدخل الحقيقي من أزمة الطاقة التي حدثت قبل أربعة عقود.
وأضاف بيلي: «هذه صدمة كبيرة… إذا قارنت ما يحدث بفترة سبعينات القرن الماضي، وإذا قارنت العام الحالي بسنة واحدة في السبعينات، وكذلك تقوم السياسات الحكومية بدور فيما يتعلق بأسواق الطاقة. هذه صدمة أكبر من أي عام في السبعينات».
وتؤكد التصريحات سبب اتخاذ البنك المركزي البريطاني نهجاً أكثر حذراً تجاه رفع أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي).
قال بيلي إن الولايات المتحدة وبريطانيا تواجهان ظروفاً شديدة الاختلاف، إذ من المحتمل أن يؤدي ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي في أوروبا إلى تقييد الاقتصاد، والتسبب في ضغوط تضخمية. وفي سياق منفصل، أشار المحافظ السابق لبنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) مارك كارني، إلى أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست) سبب رئيسي وراء اضطرار البنك الآن لزيادة سعر الفائدة في إطار محاولته لاحتواء ارتفاع معدل التضخم.
وأضاف كارني أن «بريكست»، وارتفاع أسعار الطاقة، وقلة العاملين، أضافت للرياح الاقتصادية المعاكسة في المملكة المتحدة، حسب وكالة «بلومبرغ» للأنباء، أمس (الجمعة).
وقال كارني في مقابلة مع برنامج «توداي» على محطة «راديو 4» الإذاعية التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «للأسف، شهدنا في المملكة المتحدة على المدى القريب تداعيات (بريكست) التي أبطأت وتيرة نمو الاقتصاد».
وأشار كارني الذي كان محافظاً لبنك إنجلترا في الفترة من 2013 إلى 2020، إلى سعر صرف العملة البريطانية، الذي تراجع بعد تصويت «بريكست»، وأدى إلى زيادة تكاليف الواردات، مما تسبب في ارتفاع الأسعار المحلية، ومعدل التضخم.
وتابع كارني: «هذا ما قلنا إنه سوف يحدث، وهو أن سعر الصرف سوف يتراجع وسوف يبقى على هذا الوضع، وهو ما من شأنه أن يزيد الضغوط التضخمية».
وفي مكان آخر من العالم، أظهرت بيانات البنك المركزي الكوري الجنوبي الصادرة يوم الخميس استمرار تراجع احتياطي النقد الأجنبي لكوريا خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مع استخدام السلطات المالية للدولار في دعم العملة المحلية الضعيفة.
وشهدت كوريا الجنوبية تقلص احتياطياتها من النقد الأجنبي، حيث تسعى جاهدة للدفاع عن عملة الوون من التراجع المفرط مقابل الدولار، الذي ارتفعت قيمته بوتيرة حادة وسط سياسات التشديد النقدي القوية للولايات المتحدة.
وقال بنك كوريا المركزي إن التراجع المسجل في الشهر الماضي يرجع جزئياً إلى «خطوات تقليل التقلبات» في سوق الصرف الأجنبية، مشيراً على ما يبدو إلى عمليات بيع الدولار. كما أشار البنك ضمن أسباب الانكماش إلى خط مبادلة العملات الذي بدأ مؤخراً لمبادلة الدولار مقابل الوون مع خدمة معاشات التقاعد الوطنية، والذي يسمح لصندوق معاشات التقاعد الحكومي بأن يقترض من البنك المركزي الدولارات اللازمة لاستثماراته الخارجية.
وتهدف صفقة مبادلة العملات إلى تسهيل الطلب على الدولار في سوق العملات الفورية. وقال بنك كوريا المركزي إن كوريا الجنوبية كانت تحتل المرتبة التاسعة في العالم من حيث حجم الاحتياطيات الأجنبية اعتباراً من نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي.