حردت المصارف من تهجّم المودعين عليها، فأقفلت أبوابها الامامية، وأبقت على الخلفية مفتوحة لتسيير أمور المحظيين والمضاربين. مشهدية تعيدنا إلى عشية 17 تشرين الاول 2019، حين استغلت البنوك حملة الاعتراض عليها لتقفل يوماً بعد آخر، وتمرر خلسة أوسع عملية تحويل أموال إلى الخارج. اليوم يتكرر الامر نفسه، حيث يحظى البعض بأموال “صيرفة” المجنية من السوق بضخ الليرات والتسبب بالمزيد من التضخم، أو مما تبقى من توظيفات إلزامية تعود لكل المودعين. وهذا ما برز من وصول التداول على المنصة خلال أول وثاني أيام الاضراب إلى 89 مليون دولار. وذلك على الرغم من عدم تمكن أحد من صغار المودعين من إتمام العمليات من جهة، وعدم وجود سلعة واحدة في طول البلد وعرضه، محتسبة على أساس سعر صيرفة، فمن ذا الذي يستفيد من هذه التحاويل؟!
مرة جديدة “تُشفط” أموال صغار المودعين و”تهتك” القدرة الشرائية لبقية المواطنين بواسطة التعميم 161 لتتحول ربحاً صافياً في جيوب بعض المحظيين. مع العلم أن الغاية من تحويل الليرات إلى دولار على سعر صيرفة، كان الهدف منه حماية أصحاب المعاشات المتدنية والودائع الصغيرة. وعليه لا يمكن وضع ما يجري اليوم إلا في خانة “التواطؤ من المصارف على صغار ومتوسطي المودعين والانتقام الممنهج منهم”، برأي عضو رابطة المودعين المحامية دينا أبو زور، وهو ما يمثل “استكمالاً لنهج المصارف المتبع منذ بداية الازمة بتغطية من حاكم مصرف لبنان والسلطة السياسية”. وترى أبو زور أن “المستفيدين من الاقفال يجنون الارباح الخيالية على حساب المواطنين والاقتصاد، وهو ما يشكل تمييزاً بين المواطنين يخالف القانون ومقدمة الدستور، فإما أن تكون المصارف في حالة إضراب ومتوقفة عن العمل، أو أنها تعمل وتتقاعس عن تقديم الخدمة المولجة بها بشكل عادل بين كل العملاء بحسب العقود. وعليه فان استنسابية المصارف تعمّق التفرقة بين المودعين وتشكل جرماً إضافياً يضاف إلى سلسلة ارتكاباتها بحق المودعين الصغار لخدمة 0.86 في المئة من مجمل المودعين الذين استفادوا ويستفيدون من الهندسات”.
الخشية مما يحصل لا تتعلق بامكانية تمديد إضراب المصارف أياماً إضافية كما هو متوقع تحت حجة الحماية الامنية، إنما استعجال إقرار بعض القوانين ومنها “الكابيتال كونترول” على عيوبها. بمعنى أن يكون القانون فقط لحماية المصارف مقابل التشفي من المودعين وتكريس عجزهم عن المطالبة قضائياً بحقوقهم.