«التجارة العالمية» تعاود الاجتماع في «زمن المحنة»

في أوقات صعبة لكل ظروف الاقتصاد العالمي، ومن بينها التجارة، عبرت نغوزي أوكونجو إيويلا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، عن تفاؤل حذر يوم الأحد بأن ما يزيد على 100 من وزراء التجارة الذين يجتمعون في جنيف سيبرمون اتفاقا أو اثنين عالميين هذا الأسبوع، لكنها حذرت من أن المسار سيكون وعرا وصخريا.

وقالت المديرة العامة النيجيرية إن العالم تغير منذ آخر مؤتمر وزاري لمنظمة التجارة العالمية قبل نحو خمس سنوات. وأضافت في مؤتمر صحافي قبل الاجتماع الذي يعقد بين يومي 12 و15 يونيو (حزيران) الجاري: «أتمنى أن أقول ما هو أفضل. أصبح الأمر بالتأكيد أكثر تعقيدا»، مُدرجة جائحة (كوفيد – 19) والحرب في أوكرانيا وأزمات الغذاء والطاقة الكبرى على أنها أجزاء من «أزمة كبرى متعددة المخاطر».

وفي دليل على الانقسامات بين أعضاء منظمة التجارة العالمية البالغ عددهم 164 عضوا، انسحب ممثلو عدد يتراوح بين 30 و40 دولة عندما تحدث وزير التنمية الاقتصادية الروسي مكسيم ريشيتنيكوف… وفي وقت سابق، التقى وزراء التجارة من الاتحاد الأوروبي، مع 29 وزيرا آخرين، مع ممثل أوكرانيا للتعبير عن تضامنهم ودعمهم ورغبتهم في التخفيف من مشكلات الإمدادات الغذائية.

وفي حديثها إلى الوزراء في الافتتاح، حثت المديرة العامة الوزراء على أن «يظهروا للعالم أن منظمة التجارة العالمية يمكنها اتخاذ الإجراء المناسب»، وإنجاز اتفاقات تتعلق بموضوعات مثل خفض دعم الصيد وتوفير لقاحات (كوفيد – 19) والأمن الغذائي وتحديد مسار إصلاح منظمة التجارة العالمية نفسها. وقالت إن «تقرير ما يتبقى يتطلب إرادة سياسية، وأنا أعلم أنها لديكم، لتوصيلنا إلى خط النهاية».

ومع ذلك، حذرت من أن ذلك سيكون صعبا. وتابعت أوكونجو إيويلا: «دعوني أكن واضحة، حتى إبرام اتفاق واحد أو اثنين لن يكون طريقا سهلا. الطريق سيكون وعرا وصخريا. قد تكون هناك ألغام على الطريق»، مضيفة أنها «متفائلة بحذر» بأن الاجتماع سيُفضي إلى اتفاق واحد أو اثنين.

كما نبهت الوزراء إلى الاعتراف بأن الحلول الوسط ليست مثالية على الإطلاق. وتتخذ الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية القرارات بالإجماع، مما يعني أن دولة واحدة يمكنها عرقلة التقدم، وغالبا ما تجري المفاوضات على مدى سنوات.

وفي إشارة إلى الصعوبات العالمية، خُصص اجتماع الجلسة الافتتاحية يوم الأحد «للتحديات التي تواجه نظام التجارة المتعدد الأطراف». وتجمعت مجموعات بالقرب من مقر المنظمة في مطلع الأسبوع، وندد البعض بالرأسمالية ودعا البعض الآخر إلى إنهاء التمييز المتعلق بتوزيع اللقاحات. وبحسب رسالة بريد إلكتروني اطلعت عليها «رويترز»، مُنع هؤلاء جميعا من دخول مقر منظمة التجارة العالمية يوم الأحد لأسباب أمنية.

وفقدت المنظمة من أهميتها بسبب عجزها عن إبرام اتفاقات رئيسية، يعود تاريخ آخرها إلى عام 2013، وليست هناك أي ضمانات بتحقيق نتائج مهمة في جنيف رغم جهود حثيثة تبذلها أوكونجو إيويلا التي تتولى منصب المديرة العامة منذ أكثر من سنة. ومن الآمال المعلقة على اجتماع هيئة القرار العليا هذه في المنظمة، أن تساهم في إيجاد مخرج لخطر حدوث أزمة غذائية ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا والذي تسبب بارتفاع الأسعار. ويُعبر مشروع إعلان وزاري عن القلق حيث تَعِد فيه الدول الأعضاء الـ164 «باتخاذ إجراءات ملموسة لتسهيل التجارة وتحسين عمل ومرونة أسواق الأغذية والزراعة المستدامة بما يشمل الحبوب والأسمدة وكذلك منتجات زراعية أخرى».

ويُعطي النص انتباها خاصا للدول الأكثر فقرا والأكثر اعتمادا على هذه المنتجات. ولم ينس المسؤولون الدوليون أعمال الشغب المرتبطة بالجوع والربيع العربي التي وقعت قبل حوالي عشر سنوات. وقالت نغوزي للمندوبين: «آمل أن تفعلوا الشيء الصائب بشكل جماعي». ويبقى صيد السمك الملف الرئيسي للاجتماع. فقد أعلنت منظمة التجارة العالمية السبت أن مسودة نص يدعو إلى إلغاء الدعم المالي الضار لصيد السمك الذي يشغل المنظمة منذ عشرين عاما، أصبحت الآن بين أيدي الوزراء، والأمر متروك لهم لمحاولة إيجاد أرضية مشتركة بشأن النقاط الخلافية المتبقية.

وفي بيان نشر ليل الجمعة السبت، قال سانتياغو ويلز السفير الكولومبي الذي تولى إدارة المفاوضات: «لم تُحَل كل المشاكل، وهناك في المسودة أمور لا يتفق عليها الأعضاء ولم أرَ أرضية تفاهم حولها». لكنه شدد على إحراز تقدم في الأشهر الأخيرة. ويفترض أن يسمح الاتفاق حول صيد السمك الذي أدرج بين أهداف الأمم المتحدة للألفية، بوقف الدعم المالي الذي يمكن أن يشجع على الصيد الجائر أو الصيد غير القانوني. وأُحرز تقدم في تحديد آلية المعاملة التفضيلية المخصصة للبلدان النامية. فقد أدرجت إعفاءات موقتة بشأن الدعم المالي الذي يساهم في الاستهلاك المفرط للطاقة والصيد الجائر لكن مدتها ليست موضع إجماع، بينما تطالب الهند بـ25 عاما. وهو ما اعتبرته عدة دول أعضاء مدة طويلة.

وقالت نغوزي: «هل سيغفر لنا أولادنا، هل سيغفر لنا الصيادون الفقراء إذا قبلنا إفراغ محيطاتنا؟» في حين يعتمد نجاح الاجتماع إلى حد كبير على مصير هذا النص. ويمكن أن يؤدي تعنت الهند إلى تعطيل ملفات أخرى. وقال سفير يقيم في جنيف: «ليس هناك موضوع واحد لا تعطله الهند. إنه أمر مقلق»، مشيرا خصوصا إلى مسألتي إصلاح منظمة التجارة العالمية والزراعة الذي يفترض أن يضع الوزراء برنامج عمل من أجله.

ومن جانبها، دعت آن ماري تريفيليان وزيرة التجارة الدولية البريطانية، إلى اتخاذ إجراءات لحماية حرية وعدالة التجارة العالمية، قبيل مشاركتها في أول اجتماع وزاري لمنظمة التجارة العالمية منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).

وقالت تريفيليان، في بيان، إن ضمان حرية حركة التجارة العالمية يجب أن يكون على رأس أجندة المنظمة الدولية «لضمان استفادة المجتمعات المحلية وحول العالم من قوة التجارة الحرة»، مضيفة من جهة أخرى أنه يجب أن يكون هناك عمل دولي موحد للتضامن مع أوكرانيا وإدخال إصلاحات للحد من الاعتماد على روسيا اقتصاديا.
وتطالب بريطانيا بإحراز تقدم في اجتماعات منظمة التجارة العالمية على صعيد القضايا التجارية العالمية والأمن الغذائي والصيد الجائر، وإلغاء الرسوم على التجارة الإلكترونية، وانسحبت بريطانيا رسميا من الاتحاد الأوروبي مطلع العام الماضي، وبات الآن باستطاعتها إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع دول العالم بشكل منفرد بمعزل عن التكتل الأوروبي.

ويفترض أن يبحث الوزراء أيضا في تصدي منظمة التجارة العالمية لـ(كوفيد – 19) وسيناقش الوزراء نصين تم الانتهاء من صوغهما الجمعة. ويتعلق النص الأول بتسهيل تداول المكونات اللازمة لمكافحة الأوبئة الحالية والمستقبلية، بينما يفترض أن يسمح النص الثاني برفع مؤقت لبراءات الاختراع عن اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا». ويتسبب النص الثاني بانقسام لأن قطاع الصناعات الصيدلانية يرى فيه إضعافا للملكية الفكرية.

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةالطلب العالمي على الرحلات ينعش قطاع السفر الجوي
المقالة القادمةالأسواق أسيرة صدمة التضخم