رقم قياسي جديد حققه لبنان في انخفاض قيمة سندات “اليوروبوندز” لاستحقاق 9 آذار المقبل، وارتفاع العائد عليها 1000%، وذلك مع تسجيل هبوط دراماتيكي في أسعار السندات بالعملة الأجنبية في الأسواق العالمية إلى مستوى قياسي بلغ أمس 57 سنتاً للدولار. فأسعار “اليوروبوندز” التي تعرضت لإنخفاضات متتالية خلال الفترة الماضية نتيجة قلق المستثمرين الأجانب من انخفاض تصنيف لبنان السيادي، وتفضيلهم التخلص منها ولو بأسعار منخفضة، أتتها الضربة هذه المرة من “أهل البيت”. إذ إنّ بيع بعض المصارف اللبنانية ما تحمله من سندات للخارج بحجة تأمين السيولة أو أملاً بتحقيق أرباح إضافية أو هرباً من إعادة هيكلة الديون المتوقعة وبروز نية واضحة بعدم دفع تسديد قيمة السندات، سرعان ما أفقد الثقة بهذه السندات ودفعها إلى انخفاض غير مسبوق بقيمتها.
الإنخفاض السلبي لم يتوقف على استحقاق آذار إنما انسحب انخفاضاً لمعظم سندات اليوروبوند الأخرى في لبنان إلى أقل من 35 سنتاً، بينما تتراوح مقايضات العجز عن سداد الائتمان لمدة خمس سنوات بحوالى 5260 نقطة أساس، وهي أعلى نسبة في العالم، وفقاً للبيانات التي جمعتها “بلومبرغ”.
“هذا الإنخفاض هو النتيجة الطبيعية للقرار المحتمل بإعادة هيكلة الديون والنية في التوقف عن الدفع أو ما يعرف بـ moratorium”، يقول نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة نبيل فهد لـ”نداء الوطن”. وبحسب فهد فإنّ “التوقف عن الدفع يتبعه ما يعرف بـcross default أو استحقاق كل السندات. وهو ما رأينا انعكاساته على أسعار “اليوروبوندز” للاستحقاقات القادمة”.
وإعادة هيكلة الديون تعني التوقف عن الدفع وجدولة هذه السندات أو تمديد آجالها وتخفيض الفوائد عليها أو استبدالها بسندات جديدة (وهو أمر غير مطروح حالياً). وبغض النظر عن الطريقة التي ستعتمد للتوقف عن الدفع، يجب ان تترافق مع خطة واضحة بالنسبة للدائنين سواء كانوا محليين أو دوليين. وهنا يلفت فهد إلى أنّ “الدائنين الدوليين مستعدون للتفاوض على الطريقة التي ستعتمد لإعادة الهيكلة وهم لن يمانعوا إعادة الجدولة بشرط ان تتوضح لهم الصورة وتحدد الفوائد الجديدة والآجال بصورة واضحة وشفافة”.
الرقم المحقق في انخفاض أسعار السندات من الممكن أن يلامس في الأيام المقبلة، مع تبلور القرار بالتوقف عن الدفع والدخول بالمفاوضات، الـ10 سنت، وهذا ما حصل مثلاً في فنزويلا حيث بلغت قيمة سندها السيادي 9 سنتات، بعدما استنفدت كل احتياطياتها من العملة الصعبة. وبالتالي فإن كان من عبرة ممكن استخلاصها لبنانياً من “التجربة الفنزولية” فهي ضرورة التوقف عن الدفع بالأمس قبل اليوم واليوم قبل الغد والمحافظة على ما تبقى من احتياطي إلزامي من العملة الصعبة يقال إنه 29 مليار دولار. ففنزويلا لم تتخلف عن السداد إلا بعد استنفادها كل احتياطياتها من الدولار وهو ما أوصل شعبها إلى مجاعة حقيقية، وانهيار تاريخي في أسعار سنداتها السيادية وبالتالي انخفاض قيمة “البوليفار” إلى معدلات قياسية وتجاوز نسبة التضخم المليون و300 ألف في المئة.
في هذا الوقت تحوّل الحديث عن خطوة المصارف بالتخلص من سنداتها وبيعها للخارج إلى محط جدال في البلد، ففي حين يرى البعض أنّ المصارف اللبنانية وضعت سنداتها باسم بعض المؤسسات خارج لبنان لتمارس على الدولة ضغوطاً في عملية التفاوض معها لتسديد المستحقات، يرى البعض الآخر أنّ عدم دفع الدولة لسنداتها حمى المصارف من خطورة الإنخفاض الهائل بقيمة السندات وما باعته في الأسابيع الماضية على سعر 70 سنتاً أصبح اليوم 35 سنتاً مع الترجيح أن ينخفض إلى مستويات أقل. وفي هذا المجال، يقول فهد: “بغض النظر عن وصف ما قامت به المصارف فهي كمؤسسات تجارية تصرفت بما يمليه عليها المنطق التجاري وعمدت إلى الحد من خسائرها” في ظل ما تردد عن ارتفاع التداول بالسندات اللبنانية القصير الأجل الذي تضاعف عشرات المرات من خلال صندوق “آشمور” حيث بات هذا الصندوق بحسب المعطيات يحمل حوالى نصف حجم سندات دين لبنان الخارجية.