بردت ظاهرياً حرارة تلويح نواب حاكم مصرف لبنان بالاستقالة، ما لم يتم تعيين خلف لرياض سلامة. حتى أن ردَّ نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي على النواب بتحذيرهم من مغبّة الاستقالة، لم يستتبع أي سجالات إضافية. إلاّ أن الجمر كامن تحت الرماد بانتظار يوم الإثنين 31 تموز 2023.
وإذ يصرّ نوّاب الحاكم الأربعة على عدم “تلويثهم” بتداعيات ما بعد سلامة، وتحميلهم مسؤولية تأزُّم الوضع، بدءاً من الارتفاع المرتقب لسعر صرف الدولار، يمكن للنوّاب حماية أنفسهم بخطوة بسيطة وقابلة للتطبيق، تلقى استحساناً داخلياً وخارجياً وتحظى بترحيب الرأي العام اللبناني. وبذلك، يقلب النواب (وسيم منصوري، سليم شاهين، بشير يقظان والكسندر موراديان)، الطاولة على السياسات النقدية التي انتهجها سلامة منذ بداية الأزمة، وكانوا في الأصل معارضين لها.
هجوم إلى الأمام
لا يجد نوّاب حاكم مصرف لبنان ترحيباً باستقالتهم من أي طرف سياسي. بل هناك معارضة واضحة وصلت إلى حدّ اتهامهم بالتخلّي عن مسؤولياتهم والهروب والتسبُّب بتأزيم الوضع. علماً أن بقاءهم في مناصبهم أمر حتمي حتّى مع تقديمهم الاستقالات، وذلك من باب تسيير الأعمال ريثما يُعَيَّن حاكم ونواب جدد. فسيكلّفهم وزير المالية ومجلس الوزراء بتسيير أعمال المرفق العام، استناداً إلى قانون النقد والتسليف.
في المقابل، يمكن للنواب تسجيل نقطة إيجابية عبر الهجوم وليس الدفاع. وذلك بطرح رؤية مرحلية لإدارة الأزمة إلى حين تعيين حاكم للمصرف المركزي. وتتضمَّن الرؤية السياسات التي كانوا يطرحونها على الحاكم ويعارضون بها قراراته، وعلى رأسها منصة صيرفة وطبع الليرة بكميات هائلة لتمويل القطاع العام، وتالياً تضخيم الكتلة النقدية بالليرة، ما يؤثِّر سلباً على قيمتها.
ولمزيد من الزخم، تُطرَح الرؤية للنقاش أمام مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والنقديين، وأمام مصرفيين وإعلاميين، فيُعدَّل عليها وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية. فيشكِّل النواب حينها أرضية خصبة للتمايُز عن مرحلة سلامة، ويؤكّدون للرأي العام، ومنهم المودعون وموظفو الدولة، كما حَمَلة سندات اليوروبوندز وصندوق النقد الدولي.. وغيرهم، أن هناك خطة عمل سيلتزم بها النواب لحين انتهاء ولايتهم في حزيران 2025، خصوصاً وأن لا شيء استثنائياً سيحصل في لبنان خلال سنتين ما لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة والاتفاق على البيان الوزاري وتعيين حاكم جديد للمركزي والاتفاق بشكل نهائي مع صندوق النقد… وما إلى ذلك من استحقاقات مصيرية.
وتؤيّد مصادر على صلة بإدارة مصرف لبنان، أن بلورة مثل هذه الرؤية “يُثبت أن نواب الحاكم متحرِّرون من سلامة، وكان لديهم ما يقدّمونه، وما زالوا يمتلكون زمام المبادرة، وهُم لا يعملون وفق ردّ الفعل، بل عارضوا في السابق سياسات سلامة بناءً على معطيات واضحة تُطرَح الآن في رؤية مفتوحة للنقاش أمام الجميع ببيان أو بمؤتمر صحافي لا ضير من تكرار انعقاده كل أسبوعين أو كل شهر للوقوف عند مستجدات البلد. وهذه الخطوة تخلق حالة من الشفافية والوضوح تجاه سياسات مصرف لبنان في المرحلة المقبلة”.
وترى المصادر في حديث لـ”المدن”، أن ترتيب رؤية تكون بمثابة خريطة طريق للعمل “يعفي نواب الحاكم من تلقّي كرة النار، بل يؤكّد جهوزيّتهم لتحمُّل المسؤولية بالشراكة مع الجميع. كما أنّهم يُحرِجون السياسيين ويدفعونهم لتسهيل التشريع القانوني لأي فكرة تساعد على إدارة الأزمة والتمهيد لحلِّها”.
التهدئة والتواصل مع الخارج
ما على النواب فعله في حال فشل تعيين حاكم جديد وعدم التمديد لرياض سلامة، هو تهدئة الوضع النقدي والتواصل مع الخارج لتقديم المساعدة. ويمكن استشراف رأي الخارج، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، عبر سلسلة لقاءات مع وزارة الخزانة وكذلك مع صندوق النقد الدولي، ويُبنى على النتائج لمعرفة مدى جدية الخارج في دعم لبنان عند تغيير آلية إدارة الأزمة والتمسُّك بالإصلاحات.
والتهدئة التي يفترض أن يشهدها سعر صرف الدولار بعد سلامة، تستوجب إبقاء منصة صيرفة مرحلياً، سيّما وأن رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي يرفضان وقفها. وهنا، تقول المصادر أن “على نواب الحاكم عدم استعداء مجلسيّ النواب والوزراء أو التصعيد من أجل الحصول على صلاحيات استثنائية تسرِّع إقرار الكابيتال كونترول ومفاوضة الحكومة للدائنين وتوقف المنصة. فلو كان هناك نية لإقرار تلك البنود، لأقرِّت سابقاً”.
الرؤية التي يمكن لنواب الحاكم صياغتها وطرحها للنقاش، قد تصلح أيضاً لمرحلة التمديد لسلامة، فيما لو حصل ذلك، وهو الخيار الأقرب للتحقُّق، إذ يمكن إحراج الحاكم في ظل وجود مبادرة مختلفة للعمل. ومع ذلك، كل الاحتمالات مفتوحة ومرهونة بالـ24 ساعة الأخيرة من عمر ولاية سلامة. لكن الثابت الوحيد، أن الأزمة مستمرة.