بدأت مفرزة الضاحية القضائية تحقيقاً لكشف متورّطين في سرقة «دولارات مدعومة» من دون أمل كبير بالتوصل الى «نهايات سعيدة» بسبب إحجام مصرف لبنان عن التعاون في مثل هذه الملفات. اللافت أن فتح التحقيق تزامن مع إغلاق تحقيق مشابه بعد صدور قرار ظني منع المحاكمة عن كل الصرافين المدّعى عليهم بتهمة المسّ بهيبة الدولة المالية، عبر التأثير على سعر صرف الليرة اللبنانية ومخالفة قانون الصيرفة وتبييض الأموال!
فتحت مفرزة الضاحية القضائية تحقيقاً سرياً بشأن معلومات عن تلاعب واحتيال لسرقة «دولارات مدعومة» من مصرف لبنان. الوقائع المتوافرة لدى المحقّقين تشير إلى أنّ بعض الصيارفة تسلّموا من مصرف لبنان دولارات وفق سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة للدولار) بحجة شراء مواد غذائية مدرجة ضمن السلة الغذائية التي يدعمها «المركزي»، لكنهم استعملوا هذه الأموال في وجهة أخرى.
المحققون وقضاة في التحقيق لا يُبدون تفاؤلاً كبيراً في إمكان أن ينتهي الملف إلى إدانة متورطين، خصوصاً أن هناك مسؤولية على المصرف المركزي لجهة عدم التحقق من طريقة صرف هذه المبالغ. أضف إلى ذلك أنّ التجارب السابقة في شأن أي تحقيق يتعلّق بمصرف لبنان غير مشجّعة. إذ أنّ المصرف المركزي غالباً ما لا يُبدي أي تعاون في هذا الشأن. ويستعيد هؤلاء وقائع الدعوى التي أقيمت قبل أشهر ضد «شركة حلاوي للصيرفة»، واستُدعي بموجبها مدير العمليات النقدية في المصرف المركزي مازن حمدان والمراقب لدى لجنة الرقابة على المصارف كمال الأمين للإدلاء بشهادتيهما لدى مفرزة الضاحية. إذ طلب المحقق والقاضي، في حينه، تزويدهما بتفاصيل عمليات بيع الدولارات لشركات الصرافة والموافقات التي تم الاستناد إليها للقيام بهذه العمليات. غير أن المصرف امتنع عن الإفصاح عن هذه المعلومات بذريعة أنها مشمولة بأحكام السرية المصرفية!
إلى ذلك، تنشر «الأخبار» منع القرار الظني لقاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت شربل بو سمرا المحاكمة عن مصرفيين وصرّافين اتُّهموا بالمسّ بهيبة الدولة المالية، عبر التأثير على سعر صرف الليرة ومخالفة قانون الصيرفة وتبييض الأموال. القرار انطلق من التحقيقات التي أجرتها مفرزة الضاحية الجنوبية في المباحث الجنائية بشأن التلاعب بسعر الصرف في بدايات أيار الماضي مع مالكي أكبر ثماني شركات صرافة بشأن نشاطهم المالي في السوق. وجاء في القرار أن «المدعى عليه الصراف محمد بكري كان يشتري الدولار من أسواق صيدا بواسطة موظف في شركته، ثم يُعيد بيعه من دون إصدار إيصالات للبيع. وهو كان يعتمد سعر صرف يُحدّده الصرافون وليد وهبي ووليد المصري ووائل حلاوي. وتبيّن أنّ وهبي كان يشتري الدولارات ويبيعها لكريم خوري، أحد المسؤولين في مصرف سوسيتيه جنرال – فرع ميرنا الشالوحي. وهو ذكر في التحقيقات بأنّه كان يتواصل مع إدارة المصرف وليس مع خوري شخصياً». كذلك أقرّ خوري بأنه «بحكم وظيفته في المصرف، كان يقوم بتسعير عمليات شراء الدولار، فيما تتولى دوائر أخرى تسلّم الأوراق النقدية. وأشار إلى أنّه كان يشتري الدولار تلبية لحاجات المصرف وليس لحسابه الشخصي، وأنّ ثمن الدولارات كان يتم من المبالغ النقدية اللبنانية التي يحوّلها المصرف المركزي لتُستخدم في دفع رواتب الموظفين وإتمام العمليات المصرفية وفقاً لحاجات زبائن المصرف». خوري أوضح في التحقيق أنّه «اشترى دولارات من رامز مكتّف ووليد وهبي أيضاً. كذلك أفاد وائل حلاوي أنه كان يُحدد سعر الدولار وفقاً للأسعار اليومية التي كان يتم تحديدها بعد الاتصال مع شركتَي وهبي وحلاوي للصيرفة. كما ذكر الياس سرور أنّه كان يشتري الدولار بسعر ٣٨٥٠ ليرة ويبيعه إلى عدد من الصرّافين الذين يتصلون به لتحديد سعر الصرف اليومي».
واعتبر قاضي التحقيق «أن أياً من المدعى عليهم لم يُذع مزاعم كاذبة للتسبب بتدني أوراق النقد الوطني»، وأنه «لم تكن هناك مؤامرة بين الصرّافين للتلاعب بسعر صرف العملة». ولفت إلى أنّه «بصرف النظر عن اعتبار التواصل بين الصرافين اتفاقاً شفهياً، من غير الثابت أنّ القصد من هذا التواصل كان النيل من مؤسسات الدولة المالية». أما مخالفة الشركات لقرارات حاكم المصرف المركزي، فرأى القاضي أن «الدستور اللبناني ينص على اعتماد نظام اقتصادي حر (…) وقرار الحاكم، بصرف النظر عن دستوريتهما، لا يرقيان بتطبيقهما إلى الأنظمة الإدارية التي تؤدي مخالفتها إلى إعمال المادة ٧٧٠ من قانون العقوبات». لذلك قرّر «منع المحاكمة عن جميع الصرافين، ومعهم المدعى عليه المسؤول في مصرف سوسيتيه جنرال كريم خوري، لثبوت أنّ الأخير لم يقم بأي عمليات بيع لحسابه بل كانت جميع العمليات لحساب المصرف الذي يعمل فيه، لتأمين السيولة لزبائن المصرف».