ادعى المحقق العدلي في جريمة مرفأ بيروت القاضي فادي صوان بموجب المادة 210 من قانون العقوبات على ادارة واستثمار مرفأ بيروت بوصفها شخصا معنويا مسؤولا جزائيا عن جريمة مرفأ بيروت. وتنص المادة 210 من قانون العقوبات على ان الهيئات المعنوية «مسؤولة جزائيا عن أعمال مديريها واعضاء ادارتها وممثليها وعمالها عندما يأتون هذه الاعمال باسم الهيئات المذكورة أو بإحدى وسائلها».
خطورة قرار صوان تكمن في ترتيبه تداعيات قانونية واقتصادية وسياسية تقضي على ما لم يقضِ عليه انفجار المرفأ. فهذا القرار ربما يؤدي إلى تحويل المرفأ إلى صندوق للتعويضات، بدلاً من شركات التأمين واعادة التأمين.
تطبيق نص المادة 210 من قانون العقوبات على ادارة واستثمار مرفأ بيروت والادعاء عليها كشخص معنوي لا يستقيم مع طبيعتها القانونية الهجينة، في ظل عدم وجود نص قانوني يحدد وضع المرفأ بعد انتقاله الى اشراف الدولة. فواقع التعامل السابق والحالي لا يجعل منه بمثابة المؤسسة العامة التي تدير مرفقاً عاماً ولا يتمتع بشخصية معنوية مستقلة عن الدولة اللبنانية.
وبحسب قانونيين، لا يمكن الادعاء على ادارة واستثمار مرفأ بيروت كشخص معنوي بمعزل عن الادعاء على الدولة اللبنانية، الا اذا كان المقصود حماية المسؤولين عن جريمة المرفأ من خلال نقل موجب التعويضات الشخصية للمتضررين الى الدولة اللبنانية ومن الاموال العامة وليس من اموالهم الخاصة.
والقول بغير بذلك سيجعل من ادارة واستثمار مرفأ بيروت، كشخص معنوي، مسؤولة جزائيا عن أعمال مديريها واعضاء ادارتها وممثليها وعمالها، وبالتالي ستكون مسؤولة ايضا عن الالزامات المدنية التي قد يحكم بها لصالح المتضررين من شركات ملاحة بحرية وشركات تأمين واصحاب سفن بحرية واهالي ضحايا ومتضررين في المناطق المجاورة. وبالتالي سيتحول مرفأ بيروت من مرفق عام ومن ملك الدولة العام المرفئي الى صندوق تعويضات لشركات محلية واجنبية، وكل متضرر من انفجار مرفأ بيروت أيا كانت طبيعة ضرره وأيا كانت صفته او جنسيته. وبالتالي سيتيح ذلك إلقاء الحجوزات الاحتياطية والتنفيذية على كامل ملك الدولة العام المرفئي بكافة عناصره الاستثمارية والعقارية والمالية، وستتفاقم هذه النتائج والتداعيات عند السير بأي تحقيق دولي وامام اي هيئة قضائية دولية حيث تتحول تلك الحجوزات الى حظر دولي وعدم صلاحية المرفأ قانونيا ودولياً كميناء للملاحة. ويرى خبير قانوني أن ذلك قد «يفاقم النتائج القانونية والسياسية لانفجار مرفأ بيروت وسيؤدي لخسارة الدولة كليا لمرفأ بيروت فما لم تخسره بالانفجار ستخسره بالتحقيق، ولن يكون من الممكن استرجاعه الا من خلال تخصيصه وبيعه لمن يسدد التعويضات، وبذلك يتحول مرفأ بيروت من ضحية ومتضرر من الجريمة الى فاعل لهذه الجريمة، وما لم نخسره نتيجة الانفجار سيخسره الشعب اللبناني نتيجة التحقيق».
وبالعودة الى ظروف انشاء مرفأ بيروت كمرفق عام فهو يعود لتاريخ 18/6/1887 حيث صدر فرمان عثماني منح بموجبه امتياز إنشاء مرفأ إلى شركة عثمانية تحت اسم «شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت»، وفي 20/5/1925 اكتسبت الشركة الجنسية الفرنسية. وبتاريخ 13/4/1960، عقد اتفاق بين الدولة اللبنانية والشركة، تصدق بقانون صادر في 31/5/1960، ونصّ الاتفاق على تحويل الأراضي الداخلة في ملك الشركة الخاصة والمسجلة في منطقة المرفأ العقارية، إلى أملاك عامة مرفئية تخصّ الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأبنية والمستودعات المنشأة في المنطقة الحرة التي شيدتها الشركة في العقارات أعلاه والتي تنتقل ملكيتها من الشركة إلى الدولة. ونصت المادة 7 من الاتفاق على أنّ تسترد الدولة امتياز 15/8/1887 وتكلف الشركة الفرنسية المذكورة إدارة المرفأ.
وفي 31/12/1990 صدر قرار عن مجلس الوزراء تحت رقم 1 قضى بتشكيل لجنة من وزير الموارد المائية والكهربائية ووزير الدولة لشؤون النقل البري والبحري والجوي لاستلام مرفأ بيروت وإدارته واستثماره موقتاً، ثم شكل قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 17/3/1993 لجنة موقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت. وبعدها قرر مجلس الوزراء بتاريخ 22/4/1997 تشكيل لجنة موقتة جديدة لإدارة مرفأ بيروت واستثماره. وفي العام 2001، عين مجلس الوزراء لجنة موقتة جديدة، مما يعني أنّ المرفأ لم يرقَ بعد إلى المؤسسة العامة ذات الشخصية المعنوية بالمفهوم القانوني. ومن المتفق عليه علما واجتهادا ان الشخص المعنوي الخاص أو العام لا يولد الا بقانون. ولم يصدر بعد أي نص قانوني يحدد وضع مرفأ بيروت بعد انتقاله الى اشراف الدولة.