“التحوّل الرقمي” الفرصة قبل ضياعها

تفويت لبنان فرصة الإستثمار في الإقتصاد الرقمي خلال السنوات الماضية، لا يعني استحالة تعويضها في المستقبل القريب. فالبنية الفوقية لهذه الصناعة متوفرة، والتحتية لا تحتاج إلى استثمارات كبيرة وأماكن فسيحة، وما ينقص توفّر الوعي والإرادة السياسية.

مقارنة بسيطة مع ما حققته الإمارات العربية المتحدة على الصعيد التقني وما تنوي تحقيقه، يظهر الفرق بما يمكن أن تصنعه الرؤية الحكيمة والإصرار والمتابعة. في العام 2018 أكد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن “نصيب المجتمعات من التطور والارتقاء، أصبح اليوم مرهوناً -أكثر من أي وقت مضى- بقدرتها على مواكبة المتغيرات السريعة والمتلاحقة التي تجتاح العالم” على المقلب الآخر يظهر لبنان الذي يزخر بالطاقات والإمكانيات البشرية، عاجزاً حتى عن توفير أبسط الضروريات للعاملين في هذا المجال، فما بالنا في بقية المتطلبات. مع العلم، أن تخصيص موازنة بسيطة لتطوير قطاعات تكنولوجيا المعلومات، قد تشكل عنصراً مهماً من عناصر الخروج من الأزمة، نظراً لكمية الدولارات الطازجة التي يمكن أن توفرها. فبحسب نائب الرئيس الأول لشؤون البحث والتطوير في شركة Intalio “إنتاليو”، وخبير التحول الرقمي رامز القرا فان “عدد العاملين في مجال صناعة المعلوماتية عموماً والبرمجيات software خصوصاً يبلغ حوالى 30 ألف شخص، يُدخلون ما لا يقل عن المليار دولار سنوياً إلى الإقتصاد. إذ إن معدل عائد الساعة في هذا المجال في المنطقة، في حال كان المبرمج يبيع عمله للمطور، يبلغ نحو 20 دولاراً أميركياً بالحد الأدنى؛ ويرتفع إلى 25 دولاراً في الهند وإلى 50 دولاراً في بولندا. وعليه فان الإستثمار بالبنى التحتية لهذا القطاع الذي لا يتطلب إلا استمرارية الإنترنت وتوفير المازوت للمولدات الخاصة في المرحلة الراهنة -حتى قبل حل أزمة الكهرباء- ممكن أن يرفع عائد الساعة إلى 50 دولاراً ويؤمن ما بين 2 و3 مليارات دولار من المداخيل الصافية. وهذا ما يفوق ما يدخله “عصب” الإقتصاد اللبناني المتمثل بالقطاع السياحي خلال فصل كامل، ويخلق عشرات آلاف فرص العمل في المجال عينه، وفي المجالات المكملة له، كالترجمة والتصميم والتسويق والتوثيق والمحاسبة والعمل المصرفي.

خلافاً لبقية القطاعات الصناعية التي تتطلب استيراد المواد الاولية بالعملة الصعبة، وتوفّر المساحات الكبيرة، وكميات هائلة من الطاقة الكهربائية والإستثمار بوسائل النقل الحديثة وتجهيز الطرقات وغيره… فان صناعة المعلوماتية تكفيها تجهيزات بسيطة لتوليد قيمة مضافة مرتفعة جداً.

ليس المطلوب من لبنان ضخ استثمارات هائلة في التكنولوجيا الرقمية وإطلاق المبادرات التعجيزية، إنما تطوير الموجود بالحد الادنى وإيلاء القطاع بعض الإهتمام لتوسيع قاعدته واستقطابه المزيد من الخبرات. ويكفي من وجهة نظر القرا أن “يُنشئ لبنان معاهد تدريب على البرمجة كما فعلت مصر. فالأخيرة أتاحت لعشرات الآلاف من الخريجين في مختلف الإختصاصات الحصول على دورات تدريبية من خلال “المعهد الوطني لتكنولوجيا المعلومات”، والدخول إلى سوق العمل.

رغم كل المعوقات التي تواجه إنشاء وتطوير الأعمال بدءاً من اجراءات التسجيل وفتح الحسابات المصرفية، مروراً بتدهور خدمات الكهرباء والانترنت، ووصولاً إلى المستقبل المجهول، فان قطاع التكنولوجيا ما زال يؤمن عائدات ضخمة. وكل ما يحتاجه من “صانعي القرار” موقف واضح تجاهه وتأمين أبسط متطلباته وهو كفيل بنقل الإقتصاد إلى “ضفة” العمل والإزدهار.

 

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةبيان لمصرف لبنان حول فاتورة الدواء والمستلزمات الطبية
المقالة القادمةوفد عراقي يبحث في دمشق توحيد المواقف لاستحصال الحقوق المائية