في نهاية تشرين الثاني، أكّدت شركة «ألفاريز أند مارسال» رسميًا إنسحابها من عمليّة التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي، بحجّة عدم حُصولها على المَعلومات المَطلوبة من جانب المصرف لإتمام مهمّتها. ويوم الإثنين الماضي، أقرّ مجلس النوّاب إقتراح القانون الرامي إلى تعليق العمل بالسريّة المَصرفيّة لمدّة سنة، بعد دمج أربعة إقتراحات قوانين ببعضها، وذلك وفقًا للقرار الذي كان قد صدر عن مجلس النوّاب في نهاية تشرين الثاني الماضي لصالح إجراء التدقيق الجنائي دون أيّ عائق او تذرّع بالسريّة المَصرفيّة. ويوم أمس الأربعاء، أعلن وزير المال في حُكومة تصريف الأعمال، غازي وزني، أنّه إستنادًا إلى قانون مجلس النوّاب وقرارات الحكومة، تقرّر التواصل مع شركة «ألفاريز أند مارسال»، لمُتابعة التدقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المُستقلّة والصناديق والمؤسّسات العامة. فهل سنشهد إنطلاقة جديدة واعدة لهذا المَطلب الداخلي والخارجي البالغ الأهميّة؟
بحسب أوساط مَصرفيّة مُطلعة إنّ شركة «ألفاريز أند مارسال» كانت ألمحت عند فسخها العقد مع الدولة اللبنانيّة، إلى إمكان مُعاودتها العمل في المُستقبل في حال تذليل العقبات التي واجهتها، لكن يبدو أنّها ستُحاول فرض شُروط جديدة على طبيعة عملها، أو اقلّه معايير مُستحدثة إنطلاقًا من تجربتها الأولى. وأوضحت الأوساط أنّ العقد الخاص بالتدقيق الجنائي الذي كان قد وقّعه الوزير وزني مع الشركة المَذكورة في مرحلة سابقة تضمّن 12 بندًا، مُشيرة إلى أنّه لم يتمّ الإفصاح عن تفاصيل الكثير من هذه البُنود في حينه. وأضافت أنّ شركة «ألفاريز أند مارسال» تريد اليوم أن تُوقّع عقدًا جديدًا بشُروط مُختلفة، لإقفال الطريق مُسبقًا على أيّ عوائق يُمكن أن تُواجهها، والأهمّ لكي تتمكّن من التوصّل إلى نتائج حاسمة وواضحة المعالم. وقالت الأوساط إنّها لا تعرف ما سيكون موقف السُلطة التنفيذيّة في لبنان من هذا الشرط المُستجدّ، خاصة أنّنا نعيش حاليًا مرحلة إنتقاليّة بين حُكومتين. ولفتت الأوساط نفسها إلى أنّ أيّ عقد جديد سيتمّ توقيعه، سيمنح الشركة القُدرة على إتمام مهمّة التدقيق الجنائي في حسابات مُختلف المؤسّسات الرسميّة والعامة، والبلديّات، والمصالح المُستقلة، والصناديق والإدارات التي تستفيد من مُوازنات مالية مُلحقة، والتي لديها بطبيعة الحال حسابات في مصرف لبنان. وأضافت أنّ السُلطة التنفيذيّة في لبنان قادرة على الإستغناء عن خدمات «ألفاريز» بشرط تسديد قيمة البند الجزائي البالغ 150 ألف دولار أميركي، ومن ثمّ التعاقد مع شركة جديدة.
ولفتت الأوساط المصرفيّة نفسها إلى أنّ شركة «ألفاريز أند مارسيل» كانت إستحوذت خلال المرحلة الأولى من عملها، أي قبل إعلانها وقف مهمّتها في لبنان، على أكثر من 40 % من المُستندات والبيانات التي كانت قد طلبتها من المصرف المركزي. وقالت إنّ الشركة التي تُدقّق بالحسابات من خلال فريق عمل ميداني يتراوح عدده ما بين 10 و16 شخصًا، قادرة – في حال وافقت على مُعاودة عملها، على إنجاز مُهمّتها في مصرف لبنان، وبالتالي على وضع تقارير أوّليّة بنتائج مُهمّتها، وذلك في مُهلة تبلغ نحو 10 أسابيع، في حال سارت الأمور بسلاسة ومن دون أيّ عراقيل قانونيّة. وأضافت الاوساط أنّ توسيع مهمّتها ليطال مُختلف الإدارات، سيحتاج بطبيعة الحال لفترة زمنيّة أطول بكثير. وتمنّت الأوساط المَصرفيّة أنّ يصل التدقيق الجنائي إلى نهايته، وأن تظهر الحقائق كلّها، لأنّ المصارف ظُلمت كثيرًا بتحميلها مسؤولية الخسائر المالية الضخمة، وبأنّها من فرّط بأموال المُودعين! وقالت إنّ المصارف ليست مسؤولة عن الخسائر الماليّة للدولة، أكانت تبلغ ما قيمته 50 مليار دولار، أم أكثر أم أقل، والمصارف لم تُوظّف أموال أيّ مُودع في سندات خزينة مُقابل فوائد عالية، من دون نيل موافقته المُسبقة، وهي مؤتمنة على كل ليرة، والخلل الحالي في تسديد الودائع ليس بسببها، مُتمنّية أن تظهر الحقيقة كاملة من قبل أي شركة تدقيق.
وتابعت الأوساط المصرفيّة أنّ المُجتمع الدولي يشترط عدم إكتفاء السُلطات الرسميّة في لبنان بإتمام التحقيق الجنائي لنيل الدعم المالي المَنشود، وتُصرّ على أن يترافق ذلك مع إطلاق ورشة الإصلاحات وعلى وقف كل مزاريب هدر المال العام ومُكافحة الفساد الإداري، وكذلك على أن تكون السُلطة التنفيذيّة بيد وزراء إختصاص يعملون من مُنطلقات علميّة وتقنيّة، وليس إنطلاقًا من حسابات سياسيّة وحزبيّة وإنتخابيّة. وختمت كلامها بالسؤال: هل ستولد في المُستقبل القريب حُكومة تنال رضا الرأي العام اللبناني، وتنال ثقة المُجتمع الدَولي، لنبدأ مسيرة النُهوض الطويلة والشاقة، أم أنّنا سنواصل خط الإنحدار المُتسارع نحو الإنهيار الكامل والتام، مع كل المخاطر المُحدقة بهذا المَنحى؟!