يعيش المزارعون هذه الفترة على اعصابهم، وهواجسهم محقة لجهة تخوفهم من كساد محاصيلهم الزراعية او عدم إيجاد طرق لتصريف انتاجهم في السوق المحلي، او لجهة التصدير الى خارج لبنان، خاصة بعدما خذلتهم وزارة الزراعة وتركتهم الدولة لمصيرهم، عملا بمقولة “عسكري دبّر راسك”.
ومنذ نحو أسبوع او أكثر، واصوات آلات الحصاد بدأت تهدر في كل من سهول البقاع الأوسط وعكار والساحل لجمع محاصيل القمح، الذي تزامن هذه السنة مع موسم البطاطا، بسبب العوامل المناخية الملائمة التي خدمت الانتاجين.
بالموازاة، رفع مزارعو البطاطا الصوت طالبين من الجهات المعنية المتمثلة بحكومة تصريف الاعمال من جهة، ووزير الزراعة عباس الحاج حسن من جهة أخرى، وقف استيراد البطاطا من بعض الدول العربية، لأنها تباع بسعر اقل من تلك المحلية، واعتبروا انها تدخل الأراضي اللبنانية بطريقة ميسّرة ومعفاة من مصاريف الجمارك.
وفي هذا السياق، قال المهندس محمد الرفاعي، من أكبر مزارع بطاطا في سهل عكار، لـ “الديار”: “في عملية استباقية قام وزير الزراعة بزيارتنا كمبادرة منه لاحتواء المشكلة، وبعد اجتماع مطوّل، طلبنا منه دخول البطاطا المستوردة “المصرية” الى البلد عن طريق “الكونتينرات”، كون هذه الطريقة تجعل كلفتها اعلى فيرتفع سعرها، أي ان سعر الطن سيصبح بـ 300 دولار بدلا من 250”. اضاف “الا ان المشكلة تكمن في انعدام المسارب وتقييدها لجهة تصدير منتوجاتنا للخارج، خصوصا الى المملكة العربية السعودية التي كانت تستورد من لبنان حوالي 35% من محصولنا الزراعي”.
ما بين البطاطا والقمح المزارع في مخاض عسير
على خطٍ موازٍ، ضاق أصحاب الأراضي المزروعة بالقمح ذرعاً، فزادت العقبات التي تواجههم وتعقدت سبل الحل. وفي هذا السياق، قال رئيس “تجمع مزارعي البقاع” السيد إبراهيم الترشيشي لـ “الديار”: “البداية كانت مع اغراق السوق المحلي بآلاف الاطنان من البطاطا الأجنبية، وللأسف حصل ذلك بتسهيل ومباركة رسمية، واليوم كل دونم بطاطا يخسر اقله 400 دولار”.
تابع: “بالنسبة للقمح كنا قد وُعِدْنا ان وزارة الزراعة ستُعطي هذه الفلاحة أولوية، كما وأنها ترغب بشراء بذار مؤصل لتوزعه على المزارعين، وذهبت الى ابعد من ذلك من خلال دعوتها لتوسيع رقعة المساحات المزروعة من القمح. لكن، البذور وصلت بعد انتهاء فترة الحرث”. أردف: “لم تجد الوزارة المعنيّة حتى اللحظة آلية لكيفية استلام القمح لا مع المزارعين ولا مع وزارة الاقتصاد، ليتضح ان الامر لا يعنيها”.
تقوية المستورَد
وتحدث الترشيشي عن القمح الأجنبي سائلا: “من سيشتري انتاج المزارعين ومن سيدعم الزراعة، في الوقت الذي نجد فيه ان المساندة ويد العون من نصيب المستورَد الذي يُسلّم الى المطاحن لغاية اليوم، وبسعر اقل من 4 آلاف ليرة للكيلو الواحد”؟
واشار الى ” ان نية أحد الوزراء كانت ان يحتل بند استلام القمح ودعمه على جدول اعمال الحكومة في جلستها التي انعقدت اخيرا، ولكن النتيجة كانت ان المزارع في مكان والمسؤولين في وادٍ آخر”.
الحرمان من التصدير
وعن الحرمان من التصدير ، استغرب الترشيشي حرمان المزارعين من تصدير القمح، وسأل: “لماذا يتم حصره بيد زمرة متزمتة ومستبدة من التجار دون غيرها؟ أليس أولَى على المطاحن اللبنانية شراء الإنتاج الوطني بدل استجدائه من الخارج، الذي من شأنه ان يساهم في دعم الحارث ليبقى متشبثا بأرضه ويظل في وطنه؟”
اضاف ” قام المزارعون بحراثة دونماتهم، حتى أصبح لدينا مساحات وافية تتجاوز الـ 125 ألف دونم من القمح، ويعتبر الإنتاج هذه السنة وفيراً لان الطقس كان مناسبا وساعدنا كثيرا، وهو ما جعل الظروف المناخية ملائمة للإنتاج بغلة ورزق واسعين”. ولفت “الى ان حشرة السونة لم تكن موجودة بكثرة ، لذا لم تؤثر سلبا على الإنتاج”.
القمح موجود والإنتاج وفير.. ماذا بعد!
واعتبر “ان القمح موجود والنوعية جيدة جدا، وأصناف القمح جميعها متوافرة أي الصلب والطري للطحين بما في ذلك المخصص للمطاحن”. أضاف “في ظل هذه المقومات الكبيرة والمميزة لم يعد للدولة أي حجة، ونتطلّع الآن الى من سيشتريه”.
وتوجّه الى المعنين بالقول: “ليبيعوا الغلّة الى العراق الشقيق من خلال الاتفاقيات المبرمة بين البلدين والقائمة على تبادل النفط مقابل الخدمات، وليكون القمح من ضمنها، او يمكن لدولتنا شرائه من المزارعين ثم إعادة تصديره او تصريفه وبيعه. وفي حال كانت لا تريد أي من هذه الحلول او القيام بخطوة اعانة في هذا الإطار، فلتتنحّى جانبا وليسمحوا لنا بتسويق انتاجنا من خلال “القمح الحر”، على ان يكون ذلك بموجب بيان حتى لا يتم بيعه الى المهربين”.
وفي الخلاصة قال الترشيشي “ان وزارة الاقتصاد لم تحاول شراء القمح، كما ان وزير الزراعة لم يتحدث الى مجلس الوزراء لإيجاد حل لأخذ القمح من المزارعين اللبنانيين، وهو ما كان يحدث قبل العام 2019″، وتطرق “الى البيان الصادر عن تجمع المزارعين والنقابات والتعاونيات في البقاع، كانت “الديار” تلقّت نسخة منه، وفيه حذر المجتمعون من إعلان الاضراب العام والنزول الى الشارع في حال بقيت الدولة في عزلة عن هذه الكارثة، التي بدأت بالبطاطا ثم تبعها القمح، والحبل على الجرار ولا ندري متى وعند أي حدود ستنتهي هذه الشدّة”.