28 آب 2020
02 : 00
إذا كان المثل القائل إن “القوانين وضعت ليتمّ كسرها”، فان تعاميم وقرارات مصرف لبنان قد تحتل أولى المراتب لجهة استحالة تطبيقها. وبحسب أوساط مصرفية فان خطورة التعميم الأخير رقم 154 لا تتعلق بكسره فقط، بل بكسر الثقة نهائياً بالقطاع المصرفي برمته. وهذا ما استشفته هذه الأوساط من أجواء عملائها الذين سارعوا فور تلقيهم الخبر إلى طلب سحب أموالهم الطازجة وطرح علامات استفهام كبيرة عن المسار الذي يسلكه القطاع المصرفي. وهو ما لن يترك برأيهم دولاراً واحداً في لبنان بسبب الضبابية والفوضى في اتخاذ القرارات.
أهم ما في التعميم أمران: الأول يتعلق بحث المصارف عملاءها الذين أخرجوا منذ العام 2017 ولغاية 2019 أكثر من 500 الف دولار على وضع 15 في المئة بصندوق خاص في المصرف، مقابل فوائد. ويكون هذا الصندوق معفى من أي توظيف الزامي في مصرف لبنان. أما إذا كان العملاء هم من اصحاب المصارف أو اعضاء مجالس ادارتها أو سياسيين فيتوجب عليهم وضع 30 في المئة في هذا الصندوق. على ان يتعهد البنك بارجاع المبالغ إلى اصحابها بعد 5 سنوات. أما الشق الثاني فيتعلق باتاحة المصارف الامكانية الرضائية لمودعيها بتحويل ودائعهم لديها إلى أسهم في رأسمالها، وهو ما يعني عملياً BAIL IN.
التعميم وقع بتناقض بين مادته الثانية التي تقول: “على المصارف حث عملائها”، وهو ما يفهم منها ان العملية إرادية، وبين المادة الخامسة، الفقرة الثانية، التي تنص على ان “كل من يتقاعس عن تطبيق احكام هذا القانون (…) يحول إلى هيئة مكافحة تبييض الاموال التي يرأسها الحاكم”. وهو ما يعني ان المصارف مجبرة على التطبيق والمحاسبة تكون استنسابية. هذا التناقض الذي بحاجة إلى تفسير ليس تفصيلاً بسيطاً.
من جهة أخرى يشير رئيس مجلس إدارة FFA PRIVATE BANK جان رياشي إلى ان “التاريخ 2017 يرجعنا في الشكل إلى بداية الهندسات المالية. أما في المضمون فان القوانين اللبنانية تسمح بتحويل الاموال. وكثر حولوا أموالهم إلى الخارج في تلك الفترة لمئة سبب وسبب. فبعضهم لم يثق بالفوائد وظن ان أمراً مريباً يحصل، فأخرج امواله. وبالنسبة إلى البعض الآخر فإنّ 500 الف دولار قد تكون ثمن شقة أو عملية تجارية أو خلافه. وبالتالي فان هذا التعميم رجعي يخالف كل الاعراف والقوانين ولا يمكن تنفيذه”. أما في ما يتعلق بالشق الثاني فيبدو برأي رياشي منطقياً أكثر انما “إذا كان البنك لا يعاني من مشكلة سيولة فما الداعي للاقتطاع من ودائع زبائنه”.
الآراء تجمع على انه كان من الاجدى بـ”المركزي” اجراء تحقيق يظهر الذين استفادوا من الهندسات المالية والفوائد المرتفعة والطلب منهم حصراً إرجاع الأموال، وليس مساواة كل المودعين بشكل عشوائي، وترك تطبيق التعميم للمصارف بشكل استنسابي.
التعميم الذي يظهر على انه طوعي لتطبيق Haircut و Bail in، سيليه بحسب الخبراء تعميم اجباري يفرضهما بالقوة. وهذا ما عودتنا عليه تعاميم مصرف لبنان التي توهم الرأي العام، ثم تعود وتثبت الأوهام على غفلة من الزمن. ولعل مقولة الليرة بخير ولا “كابيتال كونترول” خير دليل على ذلك.