التشدد النقدي الأميركي يفاقم محن الاقتصاد العالمي

تواجه الأسواق الناشئة شياطينها حيث يفكر التجار والمستثمرون في ما إذا كانت أسعار الفائدة الأميركية سترتفع إلى ستة في المئة، وهو مستوى يمكن أن يدفع البلدان الأضعف إلى هوة سحيقة تزعزع استقرار اقتصاداتها.

ويعتقد المحللون أن مسارات النمو العالمي المتباينة وإعادة فتح الصين قد يخففان البعض من الضربة للأكبر، لكن لا يمكن الجزم بأنها ستبني جدارا عازلا بوجه تشديد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) لسياساته النقدية لكبح التضخم.

وكانت التوقعات الخاصة بالمكان الذي سيكون فيه سعر الفائدة النهائي للاحتياطي الفيدرالي في ذروته ترتفع بسرعة فائقة خلال الفترة الماضية.

وتقوم الأسواق بتسعير الفائدة في نطاق يتراوح بين 5.5 و5.75 في المئة لشهر سبتمبر المقبل، بينما تُظهر أداة سي.أم.إي فيد واتش فرصة اقترابها إلى ستة في المئة في ذلك الوقت على نحو أكبر.

ويرى المحللون أن حجم ووتيرة هذه الخطوة يجعلان القراءة غير مريحة للمستثمرين في تطوير الأسهم والسندات والعملات، التي غالبا ما تراجعت في ظل ارتفاع الأسعار العالمية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من عام.

ونسبت رويترز إلى ساتيام بانداي كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة لدى وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني قوله إن “مخاطر إعادة التسعير الحالية في فترة زمنية قصيرة هي في سياق الاستجابة للتضخم”.

وأضاف أن “التضخم يتجاوز الهدف بعناد في بيئة نمو ناتج عالمي إجمالي ضعيفة”. وتابع “هذا المزيج بشكل عام سلبي للأسواق الناشئة”.

وكانت التوقعات تشير إلى مزيد من الزيادات التي سيقرها المركزي الأميركي بمقدار 25 نقطة أساس فقط، لكن رئيس البنك جيروم باول أعاد الثلاثاء الماضي تسريع وتيرة الفائدة إلى حدود أعلى.

وقلة من المحللين يتوقعون قيادة السلسة المرنة لبقية هذا الأسبوع، مع اقتراب نشر تقرير الوظائف الأميركية لشهر فبراير والذي يزود الأسواق بمزيد من الأدلة التي يجب مضغها.

وقال مانك نارين الخبير الإستراتيجي في شركة يو.بي.أس في مذكرة إن “تشديد الاحتياطي الفيدرالي عند نحو 6 في المئة سيختبر بحزم عتبات الألم التاريخية لأصول الأسواق الناشئة”.

وتوقع أن تضعف الروبية الهندية واليوان الصيني والبيزو الفلبيني والتشيلي بنسبة تصل إلى خمسة في المئة إذا بلغت النسبة ذلك الحد.

وفي ضوء ذلك قد تضطر المؤسسات الدولية المانحة مثل صندوق النقد الدولي إلى تعديل توقعاتها لنمو الناتج المحلي العالمي هذا العام من 2.9 في المئة حاليا، متباطئا عن 3.4 في المئة تم تسجيلها بنهاية العام الماضي.

وأظهر تحليل حديث لبنك باركليز أن رفع سعر الفائدة الفيدرالي بمقدار 50 نقطة أساس سيزيد من تقلب أسعار الفائدة.

وأشار خبراء البنك في مذكرة إلى أنه “سيكون أكثر زعزعة للاستقرار في البداية، لأنه يأتي عادة مع ضعف أداء أسواق العملات الأجنبية في الأسواق الناشئة، مما قد يؤدي إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار داخل تلك الاقتصادات”.

ويتوقع المحللون في بنك جي.بي مورغان أن تضعف العملة الأميركية بمجرد استقرار سعر الفائدة النهائي، لكنهم قالوا إن رفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس “سيكون بمثابة تحول في النظام لصالح القوة الهائلة للدولار”.

وارتفعت التدفقات إلى الأسواق الناشئة في يناير الماضي لكنها تباطأت إلى حد كبير في فبراير، مما يشير إلى تحذير للمستثمرين.

وأظهرت بيانات بنك سيتي الاثنين الماضي أن التدفقات الخارجة استؤنفت الأسبوع الماضي، حيث غادرت الأموال الحقيقية أميركا اللاتينية وأوروبا الناشئة والشرق الأوسط وأفريقيا، بينما غادرت الأموال الساخنة أو رأس المال المضارب آسيا وأميركا اللاتينية.

وقال سهل ماهتاني المحلل الإستراتيجي متعدد الأصول في شركة ناينتي ون الاستثمارية إن “الأسواق الحدودية هي المكان الذي من المحتمل أن ترى فيه وطأة الضرر” من ارتفاع الأسعار بشكل حاد.

ووجد المحللون في شركة تيلمير لأبحاث الأسواق الناشئة أن عدد الاقتصادات الناشئة الأصغر والأكثر خطورة عند حوالي 30 بلدا، مع الارتفاع الأخير الذي لم يجلب الراحة.

وأشاروا إلى أن هذه البلدان، التي تشمل كينيا ومصر وباكستان، محجوبة بشكل أساسي من أسواق رأس المال.

وعادة ما يطالب المستثمرون في هذه الأسواق بعلاوة قدرها 10 نقاط مئوية أو أكثر على سندات الخزانة الأميركية، التي تعد ملاذا آمنا وظلت ثابتة على نطاق واسع.

وعلاوة على ذلك فإن من المرجح أن تشعر الأسواق ذات الدخل الثابت في الاقتصادات النامية الأكبر أيضا بالضيق.

وخلص بنك يو.بي.أس إلى أن بيئة سعر الفائدة الأميركية عند ستة في المئة مع التضخم الحاد تجعل المعدلات قصيرة الأجل في تشيلي والهند وكذلك بولندا والتشيك والمجر أكثر عرضة للخطر.

ويمكن للمستثمرين، وخاصة على جانب الأسهم، أن يروا إعادة فتح الصين إلى حد ما لتعويض الانكماش الذي يلوح في الأفق في الولايات المتحدة وبعض الثقل التاريخي لمعدلات الاحتياطي الفيدرالي على الأسواق الناشئة.

وارتفعت الأسهم الناشئة بنسبة اثنين في المئة فقط هذا العام بعد انخفاض كلي بنحو 26 في المئة على نطاق واسع قياسا بنظرائها المتقدمين. وقال يو.بي.أس إن “الأسهم الصينية يمكن أن توفر ملاذًا آمنًا في سيناريو معدل الفائدة بنسبة 6 في المئة”.

وكون الأسواق الناشئة أكثر تمحورا حول آسيا مقارنة بالزيادات الحادة السابقة للمعدلات العالمية، فهذا يعني أنه لا يمكن للمستثمرين “النظر إلى كتاب التاريخ” وفقا لنونو فرنانديز مدير محفظة في نيويورك لإستراتيجية أسهم الثروة الناشئة لشركة جي.دبليو آند كي.

وتمثل الصين ما يقرب من الثلث في مؤشر الأسهم بالأسواق الناشئة وحوالي خمسة في المئة في مؤشر العملة الصعبة للدخل الثابت، والذي يدعم فئة الأصول.

وقال ماهتاني إن “المستثمرين مهيّأون للاعتقاد بأن مخاطر ذيل الأسواق الناشئة تظهر في سياق دورات رفع الأسعار العدوانية في الولايات المتحدة”. ويعتقد أنه من الخطير القول بأن هذه المرة مختلفة، لكن يبدو أنها ليست عملية هذه المرة.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةمفوضة الطاقة الأوروبية: “لنضع الوهم جانبا حول سهولة عام التدفئة القادم”
المقالة القادمةمصنعو السيارات يشقون طريقهم نحو سوق الدراجات الكهربائية