يواجه صانعو السياسة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تحدياً صعباً هذا الأسبوع، حيثُ يُثقل كاهلهم استمرار التضخم دون أي بوادر لتباطؤ أو انحسار، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المُتّسمة بالجدل.
ومن المرجح أن يبقي «الاحتياطي الفيدرالي» سعر الفائدة الأساسي دون تغيير عند 5.25 إلى 5.5 في المائة في اجتماعه الذي يُعقد في الفترة من 30 أبريل (نيسان) إلى 1 مايو (أيار). وربما يتعين الإبقاء على بند رئيسي في بيان السياسة الحالي ـ وهو أن التضخم «يظل مرتفعاً» ـ بعد تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام بعد تباطؤ مطرد حتى عام 2023، وفق «رويترز».
علاوة على ذلك، أظهرت تفاصيل تقارير الأسعار الأخيرة أن التضخم المرتفع استقر عبر مجموعة واسعة من السلع والخدمات، وهو ما ركز عليه صانعو السياسة الحاليون بشأن أسعار الفائدة، بما في ذلك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا رافائيل بوستيك ورئيس «الاحتياطي الفيدرالي» في ريتشموند توماس باركين كسبب للقلق بشأن خفض أسعار الفائدة.
وكشفت بيانات شهر مارس (آذار) عن صورة مقلقة للتضخم، حيث أظهرت أن أكثر من نصف السلع في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي – وهو المقياس الأساسي للتضخم الذي يستخدمه «الاحتياطي الفيدرالي» لتحديد هدف التضخم البالغ 2 في المائة – قد ارتفعت أسعارها بأكثر من 3 في المائة، وهو أعلى بكثير من النسبة الشائعة قبل الوباء.
وقال كبير الاقتصاديين في «سيتي غلوبال»، ناثان شيتس، «لقد اصطدم الاحتياطي الفيدرالي للتو بعقبة كبيرة»، وذلك بعد أن أظهرت البيانات التي صدرت يوم الجمعة ارتفاع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي بمعدل سنوي قدره 2.7 في المائة في مارس مقابل 2.5 في المائة في فبراير (شباط)، بينما كان الرقم الذي تم تجريده من أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة 2.8 في المائة، مطابقاً لفبراير. وأضاف: «هذه بيانات قوية جداً وليست بيانات تمنحهم أي ثقة بأنهم في طريقهم إلى 2 في المائة بشكل مجد… سيتعين على الاحتياطي الفيدرالي الانتظار ببساطة».
السعي لتحقيق «ثقة أكبر»
لا يزال كثير من المحللين يتوقعون انخفاض التضخم على مدار العام، ما يسمح لصانعي السياسة في النهاية بتسمية الربع الأول بأنه «انتكاسة» في طريق العودة إلى 2 في المائة والمضي قدماً في تخفيضات أسعار الفائدة التي كانوا يستعدون لها منذ أواخر العام الماضي.
لكن التقدم قد يكون بطيئاً، وقد دفع المستثمرون بالفعل توقعاتهم لخفض سعر «الفيدرالي» الأولي إلى سبتمبر (أيلول). وسيحدث ذلك في خضم انتخابات رئاسية أميركية حيث قد تكون حالة الاقتصاد قضية مركزية – ويتم تحليل قرارات «الفيدرالي» حتماً من خلال عدسة سياسية.
ومن المقرر أن يصدر قرار السياسة التالي لـ«الاحتياطي الفيدرالي» في الأول من مايو، مع المؤتمر الصحافي لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بعد ذلك.
في ظل عدم وجود توقعات اقتصادية جديدة، فإن بيان السياسة النقدية وملاحظات باول سيرسخان أي توجيه قد يأتي.
وبعد شهور تضمنت إشارات إلى تباطؤ اقتصادي، بما في ذلك نمو اقتصادي للربع الأول بلغ 1.6 في المائة، وهو الأضعف في غضون عامين تقريباً، إلى جانب ارتفاعات قوية في الأسعار ونمو الوظائف، قد يكون هناك القليل لتغيير استراتيجية المسؤولين الحالية المتمثلة في تأجيل تخفيضات أسعار الفائدة حتى تظهر البيانات تحولاً مقنعاً.
وأشارت توقعات صناع السياسة في مارس إلى ثلاثة تخفيضات للأسعار بمقدار ربع نقطة في نهاية العام، مع استعداد الأسواق لأول تخفيض في يونيو (حزيران). وتشير تعليقات باول الأخيرة قبل اجتماع هذا الأسبوع إلى أن هذه النظرة قد تآكلت.
وقال باول في تعليقات أمام منتدى في واشنطن في 16 أبريل (نيسان): «من الواضح أن البيانات الأخيرة لم تمنحنا ثقة أكبر في أن التضخم سيستأنف انخفاضه. في الوقت الحالي، وبالنظر إلى قوة سوق العمل والتقدم المحرز في التضخم حتى الآن، من المناسب السماح للسياسة التقييدية بمزيد من الوقت للعمل والسماح للبيانات والتوقعات المتطورة بإرشادنا».
وقال الخبير الاقتصادي في «جي بي مورغان»، مايكل فيرولي، إن هذه الرسالة العامة من المرجح أن تتكرر.
وكتب فيرولي: «لن يتغير بيان ما بعد الاجتماع كثيراً عن البيان الذي صدر بعد الاجتماع السابق في مارس»، في حين من المرجح أن يعيد باول التأكيد على أن «الاحتياطي الفيدرالي» سوف يؤجل تخفيضات أسعار الفائدة إذا لزم الأمر، ولكنه سيكون أيضاً مستعداً للتحرك عاجلاً إذا أمرت البيانات.
موسم سياسي
وقد قلل مسؤولو بنك «الفيدرالي» من الحاجة إلى زيادة أخرى في أسعار الفائدة. وتم تحديد السعر الحالي في يوليو (تموز)، وهي فترة تسعة أشهر تتجاوز بالفعل ثلاثا من دورات السياسة الخمس السابقة، ولكنها لا تزال أقل من مستويات الثبات لمدة 15 و18 شهراً قبل الأزمة المالية العالمية في عام 2007 وفي أواخر التسعينات.
وسيتم إصدار توقعات جديدة في يونيو، وقال فيرولي إنه يتوقع أن باول «لن يدافع عن مخطط النقاط لشهر مارس باعتباره لا يزال دليلاً مناسباً لتوقعات السياسة».
وفي الواقع، يتوقع المستثمرون الآن تخفيضاً واحداً فقط هذا العام، والذي من المتوقع حالياً أن يحدث في سبتمبر.
وقد ألقى هذا التأخير، والتضخم الثابت الذي حفزه، بظلال غير متوقعة على ما بدا في أواخر العام الماضي وكأنه «هبوط ناعم» قادم من التضخم المرتفع. لقد كان ذلك الأمر الذي أبهج مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» ومهد الطريق للرئيس جو بايدن لتصور الحملة الانتخابية على أساس إضعاف ارتفاع الأسعار، والبطالة التي لا تزال منخفضة، وانخفاض أسعار الفائدة كتدبير جيد.
وما لم تتحرك البيانات بقوة لإظهار انخفاض التضخم بسرعة أو ضعف الاقتصاد، يرى البعض أن خفض سبتمبر يضع «الفيدرالي» تحت المجهر السياسي الذي يفضل تجنبه – لا سيما في ضوء العداء الذي يحمله المرشح الجمهوري دونالد ترمب تجاه باول لرفع أسعار الفائدة عندما كان ترمب رئيساً.
وقال كبير الاقتصاديين في «دريفوس وميلون» والرئيس السابق لقسم الشؤون النقدية في «الاحتياطي الفيدرالي»، فنسنت راينهارت، إنه حتى لو كانت دوافعهم تعتمد على البيانات وغير سياسية، فقد تجبرهم الظروف على تجنب اتخاذ أي قرارات في الخريف.
وبعد شهر مايو، يعقد بنك الاحتياطي الفيدرالي اجتماعاته في يونيو ويوليو وسبتمبر ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد الانتخابات، وديسمبر (كانون الأول). وقال راينهارت: «للحفاظ على رأس مال سمعتك، فإن شهري يونيو وديسمبر هما الأكثر أماناً». وأضاف أن «الاحتياطي الفيدرالي» كان يميل على ما يبدو نحو يونيو، لكن «البيانات استبعدت ذلك».