تروي ألفت.ع لـ»نداء الوطن» ضاحكة أن طعم «ساندويش السودا النية» التي طلبتها من أحد الملاحم في البقاع تحول الى «سم» في فمها، حين علمت بأن سعرها بات 750 ألف ليرة لبنانية بعد أن كانت تشتريها بـ450 ألفاً قبل فترة وجيزة»، لافتة الى أن «الاسعار في البقاع غالباً ما تكون أرخص مقارنة مع بيروت. وحين سألت صاحب الملحمة عن هذا الارتفاع الكبير، أجابها بأن كل اسعار النقل والمواشي ورواتب الموظفين ارتفعت، وعليه فانه يزيد الاسعار كي يتمكن من الاستمرار».
الشكوى من الغلاء الفاحش وتضخم الاسعار لا يقتصر على اللحوم التي غالباً ما يتم استيرادها، بل أيضاً على الانتاج الزراعي. إذ تتفاجأ المواطنة مايا عبدو بأن سعر كيلو الفول الاخضر عند بائع يقف على جانب الطريق (لا يتكبد ايجار محل تجاري او مصاريف تشغيلية)، هو 150 ألف ليرة ونحن في عز موسم الفول، وحين تمر على السوبر ماركت لشراء الخبز المرقوق يخبرها صاحب الدكان أنه سيبيعها الربطة (5 أرغفة) بـ75 ألف ليرة للمرة الاخيرة، لأن صاحب الفرن أبلغه بأنه سيزيد سعرها 10 آلاف ليرة في المرة المقبلة».
تقول مايا لـ»نداء الوطن»: «لا أعرف سبب هذا الارتفاع المستمر في الاسعار علماً أن لا ارتفاع كبيراً في اسعار المحروقات، وأغلب السلع التي أشتريها هي من الانتاج المحلي».
وكانت أعلنت إدارة الاحصاء المركزي أن مؤشر اسعار الاستهلاك في لبنان لشهر شباط 2024 سجل ارتفاعاً وقدره 1,06% بالنسبة لكانون الثاني 2024، مع العلم ان التغير السنوي لمؤشر اسعار الاستهلاك عن شباط 2024 بلغ 123,21%، بالنسبة لشهر شباط من العام 2023.
على صعيد المواد الغذائية، يأتي لبنان في قائمة الدول التي تسجل اعلى معدلات ارتفاع الاسعار، مما أدى إلى تفاقم هشاشة الظروف المعيشية للفئات الأشد فقراً والأكثر احتياجاً من السكان.
في 2024 تراجع معدل التضخم في لبنان للمرة الأولى منذ ما يقرب من أربع سنوات، بعد ثبات الدولار على سعر 89.500 ليرة لبنانية، ففي شباط 2024 كانت ارتفعت أسعار الاستهلاك في لبنان بنسبة 70.4 بالمئة على أساس سنوي، مقارنة مع 123 بالمئة في شباط 2023، بحسب ما أفاد جهاز الإحصاء الحكومي وفق ما ذكر موقع وكالة بلومبرغ.
برو: دولرة الأسعار فاقمت التضخم
يفسر رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو لـ»نداء الوطن» مشهد استمرار نسب التضخم في لبنان بالقول: أرقام البنك الدولي بالنسبة لقياس التضخم في لبنان منطقية الى حد كبير، ولكن ما يمكن تسجيله ان البنك يقيس ارتفاع كافة السلع بشكل اجمالي، وليس وفقاً لتصنيفات معينة، بمعنى أن السلع الغذائية والمنزلية ذات الاستهلاك اليومي للمواطن استمرت بنفس الوتيرة للارتفاع هذا العام كما السنوات السابقة»، لافتاً الى أن «ما سجل انخفاضاً قياساً بأرقام العام 2023 هي السلع التي يسجل استهلاكها انخفاضاً. ولذلك، تقارير البنك الدولي دقيقة بشكل عام ولكن يتم جمع كل السلع مع بعضها ولا يقومون بتصنيف السلع الغذائية التي تمس الفقراء بشكل عام وهي مستمرة بالارتفاع لأسباب داخلية».
يضيف: «ففي العام 2024 تراجعت نسبة التضخم عالمياً، لكن في لبنان حصل العكس تماماً. مع اعتماد الدولرة كل الاسعار زادت بما فيها الخضار والفاكهة، وسبق لنا أن حذرنا من دولرة الاسعار من دون اي خطة اقتصادية حقيقية. ممكن ان توصل الدولرة الى نتائج خطيرة. فهذا انعكس على كل السلع بما فيها الخدمات التي ارتفعت اسعارها بشكل كبير وايضاً الانتاج المحلي أي الخضار والفاكهة الذي تمت دولرته».
ويختم: «نعم ارتفعت الاسعار وخصوصاً ذات الانتاج المحلي بما فيها الخدمات والسلع تحت اكثر من حجة، ابرزها أننا بلد مستهلك يستورد اغلب ما يحتاجه من الخارج وثانياً غياب المنافسة بسبب سيطرة الاحتكارات بشكل كبير والثالث هو غياب الاستقرار السياسي».
البواب: بأي عملة نقيس التضخم؟
في التفسير الاقتصادي يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب لـ»نداء الوطن» أن «الاشكالية التي تقع فيها الاحصاءات التي تحصل منذ بداية الازمة في لبنان وحتى اليوم هي قياس التضخم بالليرة اللبنانية أو الدولار؟ فحين يتم الاعلان عن ارتفاع نسبة تضخم اسعار السلع الغذائية، فهذا الامر يتم وفقاً لسعرها بالليرة اللبنانية وليس بالدولار»، مشيراً الى أن «هناك من يقارن اسعار السلع ما قبل الازمة اي على دولار 1500 ليرة وبين الدولار على سعر 89.500 ليرة. فعلى السعر الجديد للدولار الاسعار لم ترتفع بشكل كبير مقارنة مع العام الماضي، ولكن حين نقارنها على دولار 1500 ليرة فتكون الفروق كبيرة جداً».
يضيف: «اقتصاد لبنان مدولر. والصورة الحقيقية هي ان التضخم الذي يحصل في بلدنا هو امتداد لما يحصل في العالم اي ارتفاع بنسبة 10 الى 15 بالمئة سنوياً، بسبب ارتفاع كلفة أسعار الشحن عالمياً وارتفاع اسعار النفط والذهب والمعادن». ويختم: «منذ عام الى اليوم يمكن ان نقيس نسبة التضخم في لبنان بالليرة اللبنانية، بعد استقرار سعر صرفها على 89.500 ليرة للدولار الواحد».